بعد شهر من المعارك الدامية في جنوب طرابلس، تجد الحكومة الليبية المعترف بها دوليا نفسها تحت الضغط للقيام بإصلاحات جذرية تتيح بسط الأمن وذلك عبر التخلص من الارتهان لمليشيات العاصمة.

وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة هذا الأسبوع على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إنه من "الضروري تحرير الحكومة من قبضة المجموعات المسلحة" في طرابلس.

كما أكد الأربعاء الماضي في تغريدة نشرتها بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا على صفحتها بتويتر،على ضرورة معاقبة المجموعات المسلحة والتصدي لمسألة إفلات المجموعات المسلحة من العقاب.

وقال إنه يجب معاقبة جميع مرتكبي الانتهاكات الجسيمة وفرض العقوبات وتقديم الجناة للمحاكم الوطنية أو المحكمة الجنائية الدولية.

وتابع "لعل فرض عقوبات على 6 من المتاجرين بالبشر باكورة الخطوات المستحسنة لضعضعة ثقة مرتكبي الجرائم على ما تقترفه أيديهم".

وأشار جلال الحرشاوي الخبير في شؤون ليبيا في جامعة باريس 8 "للمرة الأولى تصف الأمم المتحدة المليشيات المقربة من حكومة الوفاق الوطني بأنها غير مرغوب فيها ويتعين تفكيكها".

وأضاف "لكن في الواقع لن نرى إعادة نظر كاملة لكافة المجموعات المسلحة المقربة من حكومة الوفاق الوطني" وذلك مخافة حدوث فراغ أمني.

وتسيطر على ليبيا الغارقة في الفوضى منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011، سلطتان متنافستان، فمن جهة هناك حكومة الوفاق الوطني في طرابلس المدعومة أمميا والمنبثقة عن اتفاق الصخيرات السياسي في ديسمبر/كانون الأول 2015 ومن جهة أخرى هناك سلطة مؤقتة في شرق ليبيا مدعومة من قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وبرلمان طبرق المنتخب.

وفشلت حكومة الوفاق الوطني التي انبثقت عن اتفاق موقع في 2015 برعاية الأمم المتحدة، في إرساء قوات أمن موحدة واستمرت بالتعويل على مجموعات مسلحة لضمان أمنها وأمن العاصمة الليبية.

واغتنمت المجموعات المسلحة الكبيرة في طرابلس هذا الوضع للتسلل إلى المؤسسات السياسية والاقتصادية وهي لا تتردد في استخدام المدفعية الثقيلة للدفاع عن "مكاسبها".

ومثال على ذلك ما حدث في أغسطس/اب 2018 عندما حاولت مجموعات مسلحة آتية من مدن أخرى في غرب ليبيا دخول العاصمة، فاصطدمت بمليشيات طرابلس.

وقتل 117 شخصا على الأقل وأصيب أكثر من 400 بجروح خلال شهر من المعارك.

وتوقفت المعارك هذا الشهر إثر التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار التزمت بموجبه حكومة الوفاق الوطني خصوصا بإخراج المجموعات المسلحة من منشآت الدولة والمنشآت الإستراتيجية.

لكن المحللين يرون أن الحد من سلطات المجموعات المسلحة سيكون أمرا صعبا.

ورأى الحرشاوي أن "هذه المجموعات عملت بذكاء على التسلل إلى مؤسسات الشرطة والاقتصاد في العاصمة وحكومة الوفاق الوطني تعمل معها وترتهن لها وتعتمد عليها".

ومن وسائل الحد من سيطرتها على الاقتصاد، إجراء عملية تطهير في هذا القطاع.

وأعلنت حكومة الوفاق الوطني عن سلسلة إجراءات لتلافي "عدم فعالية" القطاع المصرفي والاقتصاد عموما، الأمر الذي تستفيد منه المليشيات.

ويهدف الإصلاح خصوصا إلى تقليص الهوة بين مستوى سعر الصرف الرسمي للعملة الوطنية ومستواه في السوق السوداء وسحب دعم الدولة للمحروقات للتصدي للتهريب الذي يضر بالاقتصاد في هذا البلد الغني بالنفط.

ويبلغ سعر صرف الدولار رسميا نحو 1.4 دينار ليبي، لكن سعر الصرف يتضاعف أربع إلى خمس مرات في السوق السوداء بسبب نقص حاد للعملة الأجنبية والوطنية في البنوك.

وأدى ذلك إلى تنامي الفساد أساسا لمصلحة المجموعات المسلحة التي تبيع في السوق السوداء دولارات تحصل عليها بسعر الصرف الرسمي لتكسب بذلك أموالا طائلة.

وللحد من هذا التلاعب فرضت الحكومة ضريبة بنسبة 183 بالمئة على بيع العملة الأجنبية الأمر الذي أدى إلى تراجع قيمة العملة الوطنية.

ومنذ بدء العمل بهذه الضريبة، يتم تبادل الدولار متى توفر في البنوك مقابل 3.9 دينارات ليبية بالسعر الرسمي.

لكن كمال المنصوري الخبير الاقتصادي الليبي شكك في نجاعة هذه الإجراءات في وقت تملك فيه كل سلطة في البلاد بنكا مركزيا، مضيفا أنه يتعين أولا "غلق كافة المؤسسات الموازية".

واعتبر النائب في البرلمان الليبي إسماعيل الشريف أن الإصلاحات الاقتصادية لا يمكن تطبيقها إذا لم تكن مرفقة بإصلاحات على المستويين السياسي والأمني.

وقال "لن يكون هناك أي نجاح على المستوى الاقتصادي إذا استمر التوتر وإذا بقيت الأسلحة بأيدي فصائل مسلحة".

ويرى أن الأمل ضعيف في نجاح الإصلاحات دون "إعادة هيكلة" حكومة الوفاق الوطني، وهو ملف حساس عاد مجددا إلى صلب المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة بين سلطات طرابلس وسلطات الشرق