قتّلوا شردوا دمروا، سرقوا نهبوا سلبوا، اهدروا اموالا طائلة كانت كفيلة بان تكون البلاد ارض الاحلام، جوعوا شعبا، اذلوه بقطع الكهرباء والماء والسيولة ورغيف الخبز، أركعوه، لم يبق للشعب إلا السجود لهم والتسبيح بحمدهم، فالتشبث بالحياة افقد الانسان كرامته، وأصبح مجرد كائن حيّ يكفيه القليل للاستمرار في اداء دوره الحياتي، لئلا ينقطع النسل، ويكون عبدا مأمورا لمن ارادوا التسيّد. هكذا هي الحياة، سادة وعبيد، عملاء ومرتزقة، اما عن الشرفاء فاخالهم متوارون عن الانظار من سوء ما وصلت اليه حال البلاد والعباد.

مجلس الوصاية وداعميه الدوليين والمستفيدين المحليين، ارادوا التغطية على اعمالهم الخاصة بإهدار المال العام في ليبيا، فكان الهجوم المفتعل على مقر مؤسسة النفط بطرابلس لأجل اتلاف الوثائق الخاصة بعمليات بيع النفط والغاز (بعد ان كشف ديوان المحاسبة القليل من اعمال بارونات القطاع) التي تخص اشخاص اعتباريين وآخرون لا نعلمهم ولكنهم يعرفون انفسهم جيدا بأنهم فاسدون.

عمل كل من الرئاسي، البنك المركزي، ومجلس الدولة وداعميهم على التحضير لمشروع اطلقوا عليه زورا وبهتانا "الاصلاح الاقتصادي" الذي يهدف بالأساس الى تغطية العجز في ميزانية الدولة نظير النزيف المستمر لمدخرات البلد من العملة الصعبة وإفراغ الخزينة العامة من محتوياتها، وتعويم العملة المحلية رسميا، ورفع الدعم عن بعض السلع الضرورية (رغم ان اسعارها بالسوق اصبحت لا تطاق، بل اجزم ان اسعارها تدر ارباحا طائلة على اصحاب السعادة والمعالي والسمو) من خلال وقف الاعتمادات، كذلك الرفع التدريجي لأسعار المحروقات، وبذلك تكتمل الخطة التي اعدت اصلا لتدمير البلد، وهي التجاء البلد الى صندوق النقد الدولي للاقتراض بأسعار فائدة، ما من بلد استظلت عباءة الصندوق وخرجت منه سليمة معافاة، بل ازدادت اوضاعها سوءا وضرب الفساد كافة اركانها.

الحديث عن تحرير العاصمة من الميليشيات كذبة مفضوحة لم تعد تنطلي على احد، فالذين يدعون التحرير لا فرق بينهم وبين الميلشيات، فجميعهم يغترفون من منبع واحد (الرئاسي)، وجميع التشكيلات تضم بين صفوفها ضباط وصف الضباط وجنود نظاميين، بل نحسبهم يسعون بكل جهدهم الى اخذ نصيبهم من التركة والسيطرة على مناطق معينة لرفع اسهم هذا التشكيل او ذاك عندما يحين توزيع المغانم (مادية كانت ام معنوية).

وبعد، هل هذا هو الخير الذي وعدنا به (الخير جاي)؟ سبع سنوات والأوضاع من سيء الى اسوأ، الذين يقولون بان الثورة سرقت، ماذا تنتظرون اكثر وقد اصبح جليا الدور الذي يلعبه من اخترناهم او اولئك الذين تم تنصيبهم علينا (الامر سيان)؟ لقد افسدوا كل شيء، وقتلوا كل امل في الحياة، ألم يحن الوقت بعد لتغيير المسار؟

ندعو كافة الشرفاء الغيورين على الوطن بأنه لم يعد هناك من مناص من وقف المهزلة، لقد اصبحنا في حالة يرثى لها، شارف الكثير منا على التسول، وآخرون هجروا الوطن لأجل لقمة العيش الحلال، اعراض انتهكت، بيوت دمرت، اناس ابرياء قتلت بدم بارد بسبب نزوات شبابنا الذين لم نحسن تربيتهم وتركناهم في احضان الميلشيات، وحتما سنستلم يوما جثامينهم في صناديق، عندها لن ينفع الندم، وستظل تلاحقنا لعنات المظلومين.

نتمنى على القوى الحية من ابناء الوطن ان ينتظموا في مظاهرات سلمية حاشدة امام بؤر الفساد وإسقاطها (الرئاسي، البنك المركزي)، وأمام مكتب الامم المتحدة التي نعدها السبب الرئيسي للبلاء بإشعالها نار الفتنة ومؤازرتها لأطراف نعدها غير وطنية، بان تكف يدها عن ليبيا وتركها وشانها، فالمنظمة الاممية لم تدخل في ازمة إلا زادتها تعقيدا، وجعلت اهل البلد اذلة.