استثمرت إسرائيل سنوات من الاتصالات الكثيفة مع روسيا، لمحاولة منعها من تزويد سوريا بمنظومة "إس-300"، ليأتي القرار الروسي المعاكس أمس، كأحد أسوأ كوابيس تل أبيب. 

وهيمن إعلان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أمس، أن بلاده ستسلّم منظومات الدفاع الجوي "إس-300 "، إلى سوريا خلال أسبوعين، على عناوين الصحف الإسرائيلية اليوم. 

وكتب عاموس هرئيل، المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، اليوم:" بقرار روسيا تزويد سوريا بمنظومة إس-300 فإن على إسرائيل أن تفكر مرتين حول الضربة القادمة". 

وسارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتحذير الرئيس الروسي، أمس، من مغبة الإقدام على هكذا خطوة في مكالمة هاتفية وصفتها القناة الإسرائيلية العاشرة بأنها كانت "متوترة". 

ورجّحت القناة ذاتها، اليوم الثلاثاء، أن يثير نتنياهو هذا الأمر في لقاءه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في لقائهما غدا الأربعاء في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. 

وفسّرت المخاوف الإسرائيلية بالقول:" لقد طلبت إسرائيل من الروس لسنوات عديدة تجنّب تزويد سوريا بصواريخ إس-300 لأنها قد تحد من حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في سوريا". 

وأضافت:" كما يهدد الإعلان الروسي، بقطع آلية التنسيق بين البلدين في سوريا، وكشَف ما كان يعتقد أنه علاقة وثيقة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو". 

وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن مطلع الشهر الجاري أن سلاح الجو الإسرائيلي، قصف نحو 200 هدف، غالبيتها إيرانية، في سوريا خلال العام المنصرم 2017. 

وباستثناء حوادث محدودة، فإنه غالبا ما كانت تتم هذه الهجمات دون ردود فعل. 

ولكن الأوضاع تبدو مختلفة الآن. 

وقال هارئيل:" هذه ليست نهاية حقبة للعمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، نفذت خلالها مئات الهجمات في الشمال خلال السنوات الست الماضية، لكن في الوقت الحالي، يبدو أن الوضع على الجبهة الشمالية لن يعود بالكامل إلى الظروف التي سادت قبل إسقاط الطائرة الروسية". 

وأضاف:" لقد عملت إسرائيل بحرية في شمال سوريا لسنوات بفضل الجمع ما بين الأعمال الهجومية والعلاقات الدبلوماسية الجيدة مع الروس، في الغالب، تصرفت إسرائيل بذكاء، وحققت العديد من أهدافها". 

وتابع هارئيل:" لكن في الأشهر الأخيرة أظهرت إسرائيل ثقة مفرطة في سوريا، من غير المرجّح أن الروس كانوا سعداء بإعلان الجيش الإسرائيلي هذا الشهر أنه قام بأكثر من 200 هجوم في سوريا منذ بداية العام الماضي". 

وعلى ذلك، فقد اعتبر المحلل العسكري الإسرائيلي هارئيل إن "إسرائيل ليست قوة عظمى وليست منيعة، سيكون عليها أن تأخذ في الاعتبار الاعتبارات الروسية وربما حتى تكييف نموذجها الهجومية". 

وبالمقابل، فتحاول إسرائيل تغطية مخاوفها من هذا التطور باعتبار إن سوريا غير مؤهلة أصلا للحصول على منظومة إس-300. 

وقال عاموس يادلين، الذي ترأس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) ما بين عامي 2006 و2010:" توفير منظومة إس-300 لن يؤدي أولا وأخيرا سوى الى زيادة مخاطر المشغلين السوريين غير المؤهلين ضد طائرات سلاح الجو الروسي كما هو الأمر ضد الطائرات الإسرائيلية والأمريكية وطائرات الحلفاء والطائرات المدنية". 

وأضاف في سلسلة تغريدات على حسابه في "تويتر":" لقد كانت إسرائيل تستعد لهذا التهديد لمدة عشرين عامًا وسوف تتأقلم معه". 

وتابع يادلين:" تبقى الأسئلة الرئيسية: ما هي العوائد الفعلية التي سيطلبها بوتين من إسرائيل كتعويض عن الإصابات التي لحقت بروسيا بسبب الدفاع الجوي الفاشل في سوريا؟ هل سيسعى بوتين حقاً لدفع مصالح إيران في سوريا من الآن فصاعداً؟". 

وفي إشارة الى ما تحدث عنه يادلين عن استعداد إسرائيلي مسبق لخطوة تزويد سوريا بمنظومة إس-300 فقد ذكرت صحيفة "هآرتس" اليوم الثلاثاء أن هذه الخطوة "لن تمثل عائق كلي أمام الهجمات الإسرائيلية". 

وقالت:" وفقًا لوسائل الإعلام الأجنبية، فإن سلاح الجو الإسرائيلي قد تدرّب على المهام التي يتعين فيها على الطائرات الإسرائيلية أن تتعامل مع منظومة إس-300 التي باعها الروس إلى قبرص وهي الآن في أيدي اليونان". 

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية:" من المعقول أن نفترض أن القوة الجوية تستطيع معرفة كيفية تقليل الخطر عند مواجهة هذه الأنظمة". 

ومن جهته، قال المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت احرونوت" الإسرائيلية رون بن إيشاي إن إسرائيل سوف تتغلب على منظومة إس -300 ولكن يتعين عليها أن تحل الأزمة مع سوريا". 

وأضاف في مقال اليوم الثلاثاء:" ستتلقى سوريا حزمة أمنية راقية من الكرملين، تصعّب من حرية عمل الجيش الإسرائيلي، ولكنها لن تكون قادرة على منعه، إلا أن المواجهة الدبلوماسية مع قوة عالمية هو أمر غير مرغوب فيه". 

ولفت بن إيشاي إلى أن إس-300 هي أكثر كفاءة وتطوراً من أي نظام صاروخي اعتراضي آخر موجود حالياً في سوريا، ولا يمكنها اعتراض الطائرات فحسب، بل الصواريخ الباليستية التي يصل مداها إلى 250 كيلومترا وعلى ارتفاع عال جدا". 

وقال:" لقد أرادت سوريا شراء مثل هذه الصواريخ من روسيا بالفعل في عام 2009، كان الإيرانيون مستعدين للدفع، لكن ضغط نتنياهو وباراك أوباما على بوتين أوقف الصفقة في عام 2013". 

وأضاف بن إيشاي:" تدرب ضباط من نظام الدفاع الجوي السوري بالفعل على تشغيل اس 300 في روسيا، وقد تلقى جيش الأسد مكونات النظام، بما في ذلك مركبات الإطلاق، ومركبات القيادة والسيطرة وغيرها من المكونات اللوجستية، لكن بوتين فشل حتى الآن في توفير النظام بأكمله، حتى عندما تعرض لضغوط من جنرالاته في أبريل /نيسان من هذا العام كرد على ضربة جوية إسرائيلية ضد الأسلحة الإيرانية في مطار تي 4 السوري". 

وأشار بن يشاي إلى أن من الأصعب، اليوم، إحباط نية الجنرالات والصناعة العسكرية الروسية لبيع إس-300 للسوريين". 

ومن المقرر أن يجتمع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية "الكابينيت"، اليوم الثلاثاء، لبحث الأزمة الحالية مع روسيا، التي اندلعت على خلفية سقوط طائرة استطلاع روسية بالأجواء السورية. 

وفي وقت سابق أمس، أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أن بلاده ستسلم منظومة الدفاع الجوي "إس-300 " إلى سوريا خلال أسبوعين. 

وأكدّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، لرئيس الوزراء الإسرائيلي، أن تل أبيب هي المتسبب الرئيس في إسقاط طائرة "إيل 20" الروسية قبل أيام في الأجواء السورية، بحسب بيان للكرملين. 

يشار إلى أنّ منظومة "إس-200" الدفاعية الجوية التابعة للنظام السوري، أسقطت في 17 سبتمبر/ أيلول الجاري، طائرة عسكرية روسية من طراز "إيل-20"، مما أدّى إلى مقتل 15 عسكريًا روسيًا كانوا على متنها. 

واتهمت روسيا إثرها إسرائيل بأن مقاتلات من طراز "إف- 16" تابعة لسلاحها الجوي، استخدمت الطائرة "إيل 20" كغطاء ضد الصواريخ السورية المضادة للطيران. 

وقبل أيام عقد قائد القوات الجوية الإسرائيلية، عميكام نوركين، على رأس وفد، مباحثات في العاصمة الروسية موسكو، من أجل إقناع الجانب الروسي، بعدم علاقة بلاده بإسقاط الطائرة.