تشهد الجزائر في الفترة الأخيرة تغييرات غير مسبوقة وغير مفهومة خاصة في المؤسسة العسكرية مع مواصلة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة حملة إقالات طالت كبار قادة الجيش في سلسلة قرارات تطرح أكثر من علامة استفهام في ظل حالة الجمود السياسي والغموض الذي يلف المشهد الجزائري مع مرض الرئيس الذي يعاني من تبعات جلطة دماغية أصيب بها في العام 2013، أبعدته عن الأضواء والمناسبات الرسمية.

ويرجح أن الدائرة المقربة من بوتفليقة بدأت بالفعل تنظيف الساحة من خصومها استعدادا لانتخابات الرئاسة 2019 وفي ظل صراع بين أجنحة السلطة على خلافته ووسط اعتراضات بدأت تبرز قبل الاستحقاق الانتخابي المصيري.

وفي أحدث حلقة من مسلسل الإقالات، ذكرت فضائية النهار الجزائرية المقربة من الرئاسة أن بوتفليقة أصدر الاثنين قرارات بإقالة عدد من قادة الجيش ومسؤول كبير بوزارة الدفاع.

وبحسب المصدر ذاته شملت التغييرات الجديدة في قيادة الجيش قائدي القوات البرية والجوية إلى جانب الأمين العام لوزارة الدفاع.

ونقلت قناة النهار عن مصادر وصفتها بالمطلعة، أن الرئيس الجزائري أنهى مهام اللواء حسن طافر قائد القوات البرية الذي أحيل على التقاعد وعيّن خلفا له اللواء سعيد شنقريحة الذي كان يشغل قائد المنطقة العسكرية الثالثة(جنوب غرب).

وتم حسب المصدر ذاته تعيين اللواء مصطفى سماعيلي نائب قائد الناحية العسكرية الثانية (شمال غرب) قائدا جديدا للناحية العسكرية الثالثة مكان اللواء سعيد شنقريحة.

وتم إنهاء مهام قائد القوات الجوية اللواء عبدالقادر الوناس وإحالته على التقاعد، وعيّن مكانه اللواء بومعزة محمد.

كما أنهى بوتفليقة مهام الأمين العام لوزارة الدفاع محمد زناخري وعيّن مكانه اللواء حميد غريس.

وهذه التغييرات الجديدة في قيادة الجيش هي الأوسع منذ يونيو/حزيران حيث أجرى بوتفليقة حينها تغييرات غير مسبوقة في قيادة الجيش شملت قادة نواحي وقائدي الشرطة والدرك الوطني ومدير أمن الجيش (أقوى جهاز مخابرات في البلاد).

وكانت الرئاسة الجزائرية قد قالت في اغسطس/اب، إن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة القائد العام للقوات المسلحة عزل اثنين من كبار قادة الجيش ليجري تغييرا جديدا في هيكل السلطة بالبلاد قبل انتخابات الرئاسة التي تجري العام القادم والتي لم يعلن بوتفليقة رسميا الترشح لخوضها.

وكان اللواء سعيد باي قائدا للناحية العسكرية الثانية بينما كان اللواء لحبيب شنتوف قائدا للناحية العسكرية الأولى قبل قرار عزلهما.

وتنقسم الجزائر وهي واحدة من موردي الغاز الرئيسيين لأوروبا إلى ست مناطق عسكرية.

ولم يكشف بيان أصدرته الرئاسة عن سبب عزلهما الذي جاء بعد شهرين من إقالة بوتفليقة للمدير العام للأمن الوطني عبدالغني هامل.

لكن قرار إقالة هامل جاء بعد أن كشف عن وجود فساد في المؤسسة الأمنية.

ويوحي عزل كبار قادة الجيش في الجزائر وكأن الرئيس بوتفليقة يتحسب لانقلاب عسكري أو تدخلات محتملة في العملية السياسية خاصة الانتخابات الرئاسية في 2019 التي تؤذن بنهاية الولاية الرابعة للرئيس الحالي.

لكن وزارة الدفاع الجزائرية فسّرت هذه التغييرات بتكريس "مبدأ التداول" في الوظائف العليا للجيش، فيما أثارت وسائل إعلام محلية تساؤلات حول سبب تزامنها مع بداية العد التنازلي لانتخابات الرئاسة المقررة في ربيع 2019.

ودخلت الولاية الرابعة لبوتفليقة عامها الأخير وهي أكثر فترات حكمه جدلا بسبب تعرضه، في أبريل/ نيسان 2013 لجلطة دماغية أفقدته القدرة على الحركة ومخاطبة شعبه وألزمته التحرك التنقل على كرسي متحرك.

ولم يظهر بوتفليقة أو محيطه مؤشرات حول نيته مغادرة الحكم، وسط دعوات من أنصاره في الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني) وفي أحزاب ومنظمات من الموالاة بالترشح لولاية جديدة، ودعوات من معارضين إلى مغادرة الحكم بسبب وضعه الصحي الصعب.

ولم يصدر أي بيان رسمي بشأن التغييرات الأخيرة في قيادة الجيش، لكن الرئاسة ووزارة الدفاع دأبتا على التكتم حول معلومات تتعلق بإقالة أو تعيين مسؤولين جدد في الجيش باستثناء إشراف قائد الأركان الفريق قايد صالح، على تنصيب المسؤولين الجدد. 

وشكّل الإعلان عن التغييرات في قيادة الجيش منذ يونيو/حزيران إلى آخر القرارات المتعلقة بإقالة عدد من كبار الضباط اليوم الاثنين، خروجا على سياسة التكتم المألوفة في إشارات على ما يبدو إلى أن الرئيس لايزال يمسك بزمام الأمور وفي رسالة على ما يبدو مفادها أن بوتفليقة عازم على إبعاد الجيش عن الشأن السياسي.

وسبق للرئيس الجزائري أن أقدم على خطوة شكلت مفاجأة بالنسبة للجزائريين حين أقال في 2015 مدير جهاز الأمن والاستعلامات (المخابرات) الفريق محمد مدين المعروف باسم الجنرال توفيق والذي يثير اسمه لغطا واسعا في الجزائر وان كان مكتوما، حيث يشار له بأنه الحاكم الفعلي للجزائر من خلف ستار وانه أيضا صانع الرؤساء والشخصية النافذة الكتومة التي يشكل الحديث عنها في العقود الماضية من المحظورات شأنه في ذلك شأن القادة الكبار في الجيش.

وذهب بعض المحللين حينها إلى القول إن سبب الإقالة هو تسريب الجنرال توفيق ملفات فساد تتعلق بالدائرة المقربة من بوتفليقة تشمل السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس، فيما ذهبت قراءات أخرى إلى ابعد من ذلك بالحديث عن محاولة انقلاب كان يدبر له الجنرال توفيق.

وفتح قرار بوتفليقة حينها الباب للتأويلات مع التزام وزارة الدفاع والرئاسة التكتم حول قرار الإقالة.

وفي 2015 أيضا أحيل رئيس وحدة مكافحة الإرهاب في الجيش الجزائري عبدالقادر آيت وعراب المعروف باسم "الجنرال" إلى المحاكمة في سابقة أثارت جدلا واسعا.

كما أحيل عدد من الجنرالات إلى التقاعد في قرارات أشارت إليها وزارة الدفاع حينها بأنها تأتي ضمن ضخ دماء جديدة في المؤسسة العسكرية وتغييرات عادية ضمن مبدأ التداول في الوظائف العليا للجيش.

وليس واضحا ما إذا كانت قرارات عزل كبار قادة الجيش لها صلة بالانتخابات الرئاسية التي لم يعلن بوتفليقة إلى حدّ الآن ترشحه رسميا لخوضها، وليس واضحا ايضا ما اذا كانت قرارات العزل صادرة عن الرئيس بشكل مباشر أو أن الدائرة المقربة منه هي التي تقف وراءها.

وسبق لشق من المعارضة أن طالب بلقاء الرئيس بعد فوزه بولاية رئاسية مثيرة للجدل في 2014 أي بعد عام من اصابته بجلطة دماغية.

وشككت المعارضة أصلا في قدرة الرئيس على إدارة البلاد في ظل وضعه الصحي وطالبت بتفعيل المادة 102 من الدستور الجزائري المتعلقة بشغور منصب الرئاسة.

وشكلت مجموعة من الشخصيات الوطنية ومن أحزاب المعارضة في السنوات الماضية ما بات يعرف باسم "مجموعة الـ19" والتي توسعت لاحقا لتشمل حتى بعض رفقاء درب بوتفليقة.


وطالبت مجموعة الـ19 بلقاء الرئيس، متهمة الدائرة المقربة منه بالاستيلاء على أختام رئاسة الجمهورية ومشيرة إلى أن بوتفليقة قد لا يكون على علم بعدد من القرارات المثيرة للجدل.

وتأتي التغييرات الواسعة في قيادة الجيش بينمكا سبق للمؤسسة العسكرية أن حذّرت من الزج بها في السجالات السياسية.

وجاء ردّ المؤسسة العسكرية على لسان قائد هيئة الأركان ونائب وزير الدفاع الفريق أحمد قايد صالح على اثر مطالبة حزب حركة مجتمع السلم الإسلامي المعروف اختصارا باسم "حمس"، الجيش بالتدخل لتعديل الأوتار السياسية وإنقاذ الوضع في البلاد المقبلة على استحقاق رئاسي في ربيع 2019.

وكان للجيش الجزائري نفوذا واسعا وهيمنة على القرارات السياسية واتضح ذلك جليا حين ألغى نتائج انتخابات 1992 حين قرر المجلس الأعلى للأمن إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ (الفيس) بالأغلبية.

وقد غيّر هذا الحدث التاريخي مجرى الأحداث في الجزائر التي شهدت بعدها ما بات يعرف بالعشرية السوداء.