هذه السنة؟مهما كان شكل النقاش المثار في فرنسا حول قرار وزير التعليم الفرنسي منع استعمال الهاتف المحمول في المدرسة، فإن النتيجة أنه نجح في جذب اهتمام المثقفين والإعلاميين والسياسيين للمدرسة وأدوارها المجتمعية والنموذج الذي تتطلع فرنسا لصناعته من خلالها.

في المقابل، يمكن القول، بأن وزارة التربية الوطنية في المغرب من خلال الجدل الذي أثير حول إدراج العامية في مقررات الكتاب المدرسي، لم تخسر فقط فرصة تهييئ ناجح للدخول المدرسي، بل إنها خلقت الظروف المواتية لدخول مدرسي فاشل، إن لم يتم تدارك ذلك بقرارات مدروسة.

مؤكد بأن السيد سعيد أمزازي لم يكن واعيا بما يجري، فضلا عن أن يتوقع تداعياته، وما يدل على ذلك، هو لغة البلاغين اللذين أصدرتهما الوزارة، واللذين يطبعهما تقديم معطيات غير صحيحة عن شكل تحرير الكتاب المدرسي، وكذا لجنة المصادقة عليه، فضلا عن فذلكات بيداغوجية تبريرية لم يكن من المناسب إدراجها في بلاغ، كان ينتظر منه أن يكونا سياسيا يحسم المشكلة بطريقة سلسة، كما فعل بالضبط رئيس الحكومة.

لكن، دعونا من هذه التفاصيل التي تؤكد بالملموس عدم إلمام وزير التربية الوطنية بعد بملف المناهج والكتاب المدرسي، ولنتجه إلى الجوهر، والذي يتعلق بالجهة التي وضعت قشور الموز تحت حذائه وورطته في هذا الملف الحساس.

عمليا، وبشكل مباشر، ومن خلال الآليات الجارية في اعتماد الكتاب المدرسي، فالأمر يدور بين دار النشر وبين مديرية المناهج. فلا وجود لحد الآن للجنة مستقلة، تصادق على الكتاب المدرسي، والمديرية بنفسها هي من تقوم بهذه المهمة من خلال تعيين مفتشين لهذا الغرض!

احتمال تورط دار النشر في إقحام العامية في الكتب المدرسية بعيد، بحكم إدراك لجان التأليف للضوابط البيداغوجية الصارمة المعتمدة زمن تحرير الكتاب المدرسي، وعلمها بالخسائر التي تكبدتها دور نشر بسبب طلب تعديلات على خلفية مخالفات لثوابت أو منظومة قيم، فضلا عن معرفتها بالصرامة التي تتعامل بها لجنة المصادقة المستقلة، كما كانت عليه زمن تحرير الكتاب المدرسي.

الاحتمال الثاني راجح، فلغة البلاغين، التي صيغت فذلكاتهما البيداغوجية- بعناية من مديرية المناهج على ما يبدو- تؤكد أن يدها ضالعة في الموضوع، وإلا لكانت نصحت السيد الوزير باحتواء الموقف بفكرة المراجعة والتعديل، بدل التمادي في خوض هذه المعركة الدونكيشوتية.

البعض يتهم نور الدين عيوش، عضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي “صنف الخبراء”!، باعتباره المدافع الأول عن الموضوع، والذي تصدى له إعلاميا دون غيره، لكن عيوش وغيره في مثل هذه المواضيع، ليس أكثر من أدوات تنفيذ لأجندة كبيرة، قد يكون هو أو مديرية المناهج أو بعض أعضائها أو مديرها، الذي تجاوز خمس سنوات في منصبه، تورط فيها، وجر وزير التربية الوطنية لمواجهة العاصفة، وتمادى في التبرير لها، دون تنبيه لأثر ذلك على دخول مدرسي كان من الممكن أن يتفضل ملك البلاد بافتتاحه.

في جميع الأحوال، تقدم هذه الحادثة درسا مفيدا للسيد سعيد أمزازي من جهتين: الأولى، أن يبادر إلى الإحاطة بملفاته بشكل جيد، وألا يترك الإدارة تسيره وتدفع به لتحمل مسؤولية أشياء كبيرة، لم يكن فاعلا ولا حتى واعيا بها، والثانية، ألا يترك القضية تمر دون أن يضع النقاط على الحروف، ويحدث التغييرات الملائمة في مديرية المناهج، حتى تكون وفية في تقديم المعطيات، وفي النصح له في حالة الأزمات، وفي مساعدته على وضع الآليات المستقلة في المصادقة على الكتب المدرسية لتجنب تكرار مثل هذا العبث.