من المؤسف جدا أن ترى أصحاب القرار ومن تم ائتمانهم علم مستقبل الأجيال يعبثون بمصير الناشئة بوعي أو بغير وعي، ففي الوقت الذي كنا ننتظر ونتطلع إلى مقررات ومناهج تعليمية تستجيب لطبيعة المرحلة وتأخذ بعين الاعتبار التحولات الدولية، وتنهل من التجارب العالمية الرائدة في مجال التعليم التي تشتغل على بناء الإنسان والاهتمام بالرأسمال البشري باعتباره الثروة الحقيقية للأمم والشعوب، فوجئنا مع بداية هذا الموسم الدراسي بمقررات دراسية " شميشية" عنوانها البارز " البريوات والبغرير والغريبة" طبق من الحلويات الدسمة المسمومة في نفس الآن، الغاية منها خدمة سياسة التكليخ والتجهيل وإزاحة اللغة العربية الفصحى كلغة لها مكانة تاريخية ومتجدرة في الثقافة المغربية وإحلال محلها العامية بدعوى أهداف بيداغوجية صرفة حسب أصحاب هذه " البغررة". فما هي هذه الأهداف البيداغوجية؟ وما هي الأهداف التربوية والقيمية والمعرفية والمهاراتية التي يطمح هؤلاء إلى تحقيقها من خلال إدراج العامية في المقررات الدراسية؟ أسئلة ستجيب عن نفسها في الأيام القادمة !!. فبمنطق السوسيولسانيات يكتسب الطفل لغته الأم من الأسرة والمحيط ولا يحتاج في ذلك إلى مقرر ومعلم ومدرسة لاكتساب مفرداتها، ومن ثم لا داعي لإهدار المزيد من الوقت والجهد في تعلم أشياء لا طائل من ورائها، فالتلميذ في المدرسة في حاجة إلى إتقان اللغة العربية والتمكن من الأمازيغية قصد الحفاظ على الهوية الوطنية والثوابت الثقافية، ثم الانفتاح على اللغات الأجنبية بغية تيسير الاندماج في المنظومة العالمية بتوجهاتها المعرفية والعلمية. يا أصحاب " البغررة" !!!

فأين نحن الآن من زمن المعلم الأول الأستاذ المرحوم "أحمد بوكماخ" الذي نحن إليه ولسلسلته التربوية " إقرا" التي أنجبت الجيل الذهبي جيل الأخلاق والقيم والفكر، فماذا أنجبنا نحن؟ وماذا أنجبت مقررات ومناهج ومدارس الألفية الثالثة؟ فلعل الظواهر الاجتماعية الغريبة التي أصبحنا نقف عليها في الشارع ونطلع عليها عبر المنابر الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي كفيلة بالإجابة عن هذا التساؤل. يا أصحاب " البغررة" !!!

 

إن المتتبع للشأن التعليمي بالمغرب ابتداء من فترة الستينيات والسبعينيات مرورا بالثمانينات والتسعينات، وصولا إلى الألفية الثالثة، يعرف مدى التراجع المخيف الذي عرفته المنظومة التربوية، بسبب الإصلاحات المستوردة والمستهلكة من جهة، ومن جهة أخرى تغييب أهل الاختصاص، وتدخل أصحاب النفوذ ورجال الأعمال في الحقل التربوي لترقيع هذه الإصلاحات وفرضها بالقوة لحاجة في نفس يعقوب، ومن ثم تبذير المزيد من الوقت والمال والجهد. فإصلاح التعليم يقتضي أولا إرادة سياسية حقيقة وتجنيد جميع المكونات الفاعلة في الحقل التربوي، ووضع مخطط استراتيجي واضح المعالم تراعى فيه الخصوصية المغربية، انطلاقا من الأسئلة التالية المعتمدة في المخططات الاستراتيجية الناجحة: ـ أين أنا؟ ماذا أريد؟ كيف أصل إلى ما أريد؟ فينبغي أولا تسطير الأهداف والغايات المراد تحقيقها بدقة، ثم العمل على رصد جميع الإمكانيات المتاحة لتحقيقها والوصول إليها بحزم وإرادة وتتبع، بعيدا عن المزايدات السياسية والمصالح الضيقة وإقحام كل من هب ودب للإفتاء في المنظومة، إذا كنا فعلا نعتبر أن التعليم يأتي في المرحلة الثانية ضمن أولويات الدولة بعد الوحدة الترابية. يا أصحاب " البغررة"...



حسن الشتيوي