تواصل تركيا تعزيز تواجدها في السودان ضمن خطة للتمدد في المنطقة من بوابة الشراكة الاقتصادية بعد أن نجح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان خلال آخر زيارة له للخرطوم في ديسمبر/كانون الأول 2017 في الحصول على موافقة الحكومة السودانية على إدارة تركيا لجزيرة سواكن الإستراتيجية على ساحل البحر الأحمر.

وفرطت السودان في الجزيرة الإستراتيجية التي تكتسي أهمية تاريخية ورمزية للأتراك كونها كانت تدار مباشرة من السلطان العثماني، في الوقت الذي يمثل فيه التمدد التركي في المنطقة خطرا على الأمن القومي العربي حيث يشكل البحر الأحمر مجالا حيويا لأمن كل من مصر والسعودية.

وفي أحدث الخطوات لتعزيز النفوذ التركي في المنطقة، قالت وزارة الزراعة والغابات التركية اليوم الثلاثاء إن أنقرة والخرطوم وقعتا اتفاقا بقيمة 100 مليون دولار للتنقيب عن النفط واتفاقا لتخصيص آلاف الأميال المربعة من الأراضي الزراعية السودانية لتستثمر فيها الشركات التركية.

وعزز البلدان العلاقات بينهما واتفقا في ديسمبر/كانون الأول، حين الرئيس التركي إلى الخرطوم في أول زيارة من نوعها، على زيادة حجم التجارة تدريجيا إلى عشرة مليارات دولار.

وقالت الوزارة التركية إن السودان خصص 780 ألفا و500 هكتار (ثلاثة آلاف ميل مربع) من الأراضي لتستثمر فيها شركات تركية خاصة، مضيفة أن ذلك سيوفر "الأمن الغذائي لتركيا والسودان ودول أخرى".

وذكر وزير الزراعة والغابات بكير باكديميرلي في بيان أن شركة البترول التركية ووزارة النفط والغاز في السودان وقعتا اتفاقا لتطوير حقل نفط وهو ما يقود مبدئيا لاستثمار مئة مليون دولار.

ولم تعط الوزارة أي تفاصيل عن طبيعة ومكان الاستثمار، لكن وكالة أنباء الأناضول الرسمية التركية نقلت عن باكديميرلي قوله إنه اتفاق تنقيب.

وسيفتح بنك الزارعة التشاركي التركي فرعا في الخرطوم لتعزيز العلاقات المالية كما سيجري تيسير الإجراءات الجمركية لاستيراد الآلات والمعدات من تركيا، بحسب الوزارة.

وقبل عام رفعت الولايات المتحدة حظرا تجاريا وعقوبات أخرى عزلت السودان عن معظم النظام المالي العالمي، لكن اقتصاد السودان يعاني من أزمة بسبب نقص العملة الصعبة والمواد الغذائية الأساسية.

وأدى قرار الحكومة بإلغاء الدعم الذي نتج عنه ارتفاع سعر الخبز للمثلين، إلى خروج مظاهرات نادرة في أنحاء البلاد هذا العام.

ويوم الأحد الماضي أعلن الرئيس السوداني عمر البشير حل الحكومة ووعد بتشكيل أخرى تضم عددا أقل من الوزراء لمواجهة الأزمة.

وعززت تركيا التي يسود التوتر علاقاتها مع المملكة العربية السعودية ومصر، استثماراتها في السودان خلال الفترة الأخيرة.

وتعتزم تركيا إعادة بناء ميناء سوداني يرجع للحقبة العثمانية على ساحل البحر الأحمر وبناء مرفأ لصيانة السفن المدنية والعسكرية بموجب اتفاق توصل إليه الجانبان خلال زيارة اردوغان للخرطوم.

وتشمل الاتفاقات الأخرى التي وقعها الرئيس التركي خلال الزيارة استثمارات تركية لبناء مطار جديد مزمع في الخرطوم واستثمارات من القطاع الخاص في إنتاج القطن وتوليد الكهرباء وبناء صوامع حبوب ومجازر.

وبذلك تكون أنقرة قد قطعت شوطا مهما من الناحية الإجرائية في سياق توسعها في السودان وتمددها على سواحل البحر الأحمر  بتسهيل من الخرطوم في الوقت الذي تعمل فيه على ترسيخ نفوذها في المجالات الحيوية للأمن القومي العربي.

وليس خافيا أن تركيا التي تحتضن وتدعم جماعات الإسلام السياسي وتنتقد باستمرار نظام الحكم في مصر ودعمت بكل ثقلها قطر المتورطة في دعم وتمويل الإرهاب بعد قرار المقاطعة العربية والخليجية في يونيو/حزيران 2017 وتدخلت مرارا في الشؤون الداخلية للمنطقة العربية، تعمل على إيجاد موطئ قدم لها في المجالات الحيوية لكل من السعودية ومصر.

والأمر لا يتعلق بالبحث عن منافذ اقتصادية خارجية ولا بتعزيز العلاقات التجارية مع السودان بقدر ما هو تحرك جيوسياسي للتموقع وزيادة التأثير والتدخل في شؤون المنطقة.

ويغامر السودان بتعزيز علاقاته مع تركيا بعلاقاته مع دول حليفة مثل السعودية ومصر والتي تربطهما بالخرطوم علاقات اقتصادية وثيقة.

وكان السودان قد قلّص إلى حدّ كبير من تغلغل إيران في مفاصله، فيما عزز علاقاته مع دول الخليج العربي، لكنه سرعان ما ارتمى في أحضان تركيا وقطر وهو أمر من شأنه أن يؤثر على مستوى العلاقات السياسية والتجارية مع دول المنطقة التي تنظر لأي تحرك قطر وتركي بعين الريبة على خلفية سجلهما في دعم جماعات الإسلام السياسي والفكر المتطرف.