رغم الهجوم الشديد الذي شنه الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، قبل الانتخابات على إسلاميي حزب التجمع، فقد أحدثت النتائج الأولية التي حققوها في انتخابات فاتح سبتمبر الجاري انبهارًا كبيرًا بقوتهم وبحضورهم السياسي الواسع في الساحة.
وتعتبر الانتخابات النيابية والبلدية والجهوية التي تنتظر نتائجها من وقت لآخر، ذات أهمية كبيرة لكونها قياسًا لشعبية كل طرف من أطراف المشهد أشهرًا قليلة قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها منتصف عام 2019، والتي توجد شكوك حول تلويح الرئيس محمد ولد عبد العزيز باحتمال ترشحه فيها لولاية ثالثة، رغم أن دستور البلاد يحظر الترشح لأكثر من ولايتين رئاسيتين.
وفي غضون ذلك، تمكن الإسلاميون الموريتانيون بتنظيمهم المحكم وبتأطيرهم العالي لساحة أنصارهم وتراكم تجاربهم، من زيادة عدد مقاعدهم في الجمعية الوطنية التي ارتفعت من 16 مقعدًا كانوا بها الكتلة البرلمانية المعارضة الأولى في البرلمان السابق، إلى 17 مقعدًا أمس، من أصل 157 نائبًا تضمها الجمعية الوطنية، مع أن زيادة هذا العدد لا تزال متوقعة مع فرز النتائج وبالنظر لدورة الشوط الثاني، حسب مصادر حزب التجمع. 
فلم تفلح سياسات التخويف من الإسلاميين وتخوينهم التي انتهجها الرئيس في حملته الأخيرة وألمح فيها لوجود «من يتخذون الدين الإسلامي وسيلة وجسرًا للوصول إلى السلطة»؛ بل إن هذه الحملة دفعت عكسًا للمطلوب، وحسب عديد المراقبين، لتعاطف شعبي كبير مع الجماعة جعلها تحقق نتائج أكبر.
وحذر الرئيس ولد عبد العزيز من التصويت لصالح الإسلاميين في انتخابات أول سبتمبر بحجة «أن الإخوان المسلمين يشكلون «مجموعة من المتطرفين الذين فككوا بعض الدول العربية ودمروها»، مشيرًا إلى أن بعض هذه الدول «أقوى وأغنى من موريتانيا»، وأضاف أن «هذه ليست اتهامات ولا آراء، بل حقائق ووقائع حدثت على الأرض في الدول العربية التي حدثت فيها ثورات قادت إلى صعود تلك الأحزاب المتطرفة».
ومكنت هذه الانتخابات حزب التجمع من تدعيم مكانته في الساحة السياسية الموريتانية، وتحوله إلى منافس حقيقي للحزب الحاكم، وإلى قوة يحسب لها ألف حساب في معادلات المستقبل السياسي لموريتانيا. ويتابع المحللون والمراقبون هنا استكشاف أسباب الصعود الكبير للإسلاميين الموريتانيين الذي فاجأ الجميع حتى قياديي حزب التجمع أنفسهم. وأرجع موقع «أخبار الوطن» الموريتاني المستقل نجاحات إسلاميي حزب التجمع لسوء ترشيحات الحزب الحاكم، مؤكدًا في تعليق له حول هذا الموضوع «أن المتتبع للشأن السياسي هذه الأيام يلاحظ صعودًا مثيرًا لأخطر حزب معارض في موريتانيا هو «حزب تواصل الإخواني».
وأضاف: «المواطن العادي يتساءل عن السر وراء هذا الصعود، مثمنًا ما تحقق في ظل النظام الحالي، وآخرون يبررون ذلك بقرب الحزب من المواطن الضعيف، وبين هذا وذاك ظل لغز الصعود يحير الرأي العام الوطني والدولي».
«وبعد دراسة معمقة ومتأنية، يضيف الموقع، تأكد لنا أن لجنة ترشيحات حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (الحاكم) والأخطاء الفادحة التي ارتكبت في ترشيحاتها، هي سبب صعود شعبية حزب «تواصل»، وبذلك تكون هذه اللجنة قدمت مساعدة تاريخية متعمدة أو غير متعمدة لأخطر حزب معارض في موريتانيا».
وإذا كان الإسلاميون قد حققوا هذه النتائج الباهرة فإنهم وضعوا أنفسهم في مواجهة مباشرة مع نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، بوصفهم أعتى منافس له في الساحة.
فهل ستتجه العلاقة بين الرئيس والإسلاميين لتعايش يجد الرئيس بموجبه مساندة إسلاميي حزب التجمع مقابل الكف عن حل حزبهم ومواجهتهم بالعنف؟
يقول محمد أمين، وزير الإعلام في أول حكومة للرئيس عزيز: «عزيز في حديثه الغريب يكتشف، وهو على عتبة باب الخروج، أن حزب «تواصل» والقاعدة وجهان لعملة واحدة، لقد كان بين عزيز وحزب «تواصل» اتفاق مرحلي يتفرغ بموجبه هو لإخلاء الأرض من خزائنها، ويتولى فيه الإخوان السيطرة الدعوية والفكرية على المجتمع».
وشهد مسار العلاقة بين نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز والإسلاميين بعد انقلاب 2008 عدة محطات أبرزها محطة المهادنة عقب اتفاق داكار، حيث كان توجه الإسلاميين هو السعي إلى المشاركة في مشهد السلطة والانتقال من التقارب إلى الشراكة مع السلطة.
ثم كان أن تناغم الإسلاميون في موريتانيا مع موجة الحراك الذي عرفه العالم العربي أواخر 2010 وبدايات 2011 وشكَّلوا رأس حربة هذا الحراك في موريتانيا ضمن تحالف واسع من المعارضة، غير أنهم سرعان ما عادوا من أقصى التيار الثائر، ومن خطاب ترحيل النظام وإسقاط السلطة إلى خطاب أكثر وداعة ولباقة، فبادروا إلى المشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية التي قاطعتها أغلب الأحزاب المعارضة، ليضيف الإسلاميون خرقًا جديدًا في جسر الثقة المهتزة بينهم مع بقية المعارضة. 
وتذهب معظم التحليلات التي تناولت آفاق العلاقة بين نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز والإسلاميين بعد انتخابات سبتمبر إلى وجود عدة احتمالات، بينها خيار المواجهة والصدام وهو خيار مستبعد رغم تهديدات الرئيس، وخيار التحالف والتطبيع وهو خيار قد تدفع له إكراهات انتخابات 2019 الرئاسية؛ غير أن أبرز الخيارات المتاحة في ظل المعطيات الحالية هو خيار الحذر والتوجس.