تتوالى التصريحات والمواقف السياسية بصورة ملفتة للنظر من جانب القادة والمسٶولين الايرانيين بشأن التلويح للإنسحاب من الاتفاق النووي ومن إن الالتزام بهذا الاتفاق لا يمثل خيار طهران الوحيد، وخصوصا بعد التصريحات الاخيرة الصادرة من جانب المرشد الاعلى الايراني ووزير الخارجية. لكن الذي يجب الانتباه إليه جيدا هو إن الاوضاع الايرانية وعلى مختلف الاصعدة تزداد تأزما وتعقيدا. وبقدر ما يبدو هناك نوع من التوتر والتشنج السياسي إن صح التعبير في طهران، فإن الامور في واشنطن مختلفة وعلى العكس تماما من ذلك، إذ يبدو إن الكرة التي رمتها واشنطن في حضن طهران سوف تشاغل الاخيرة كثيرا ومن الصعب جدا إخراجها بسهولة من الساحة الايرانية من دون أن تكون تبعات وعواقب لذلك.

التلويح لأكثر من مرة بالخروج من الاتفاق النووي الذي كان مفيدا جدا لإيران في عام 2015، وساهم في إنعاش إقتصادها وتقوية وتعزيز نفوذها في بلدان المنطقة، يمكن وصفه بمناورة سياسية هدفها ممارسة نوع من الضغط النفسي على أوروبا التي ستجد تعرضها لخسارات من جراء ذلك. ولكن منطقيا وعمليا فإن قرار الانسحاب ليس بذلك السهل بالنسبة لطهران، فهو يعني إن النظام والشعب يصبحان وجها لوجه وإن على الاول أن يجد مخرجا للأزمة في حال إتخاذه هكذا قرار لا يجد الشعب الايراني نفسه معنيا به وبشكل خاص بعد أن تم ترديد شعار "عدونا هنا وليس في أميركا" كثيرا وفي أنحاء إيران، وإن على النظام الذي أقحم إيران بمثل هذه الورطة أن يتحمل مهمة إخراجها منها سالما. غير إن بقاء إيران أو إنسحابها من الاتفاق النووي لا يمكن أن يكفل للنظام طريقا للخلاص من دون أن يدفع ثمنا لذلك، علما بأن الشعب الذي لا يكاد أن يمر يوم من دون أن يخرج بنشاطات إحتجاجية مختلف في نقاط كثيرة من إيران، يبدو في حالة سخط وغضب غير عادية ويمكن لأي سبب "غير عادي" أن يقوده للإنفجار وإندلاع الانتفاضة التي يحذر منها النظام بنفسه ويقول بأنها ستكون القاضية!

التصريحات المتشددة التي باتت تصدر من طهران تترى، وتأتي بعد مرور فترة وجيزة نسبيا لا تتعدى الشهر على تطبيق الحزمة الاولى من العقوبات الاميركية والتي ستليها الحزمة الثانية الاشد والاقوى بمنع بيع وتصدير النفط الايراني. وإذا ما كانت تأثيرات الحزمة الاولى، الاخف نسبيا من الثانية، هكذا بعد هذه الفترة الوجيزة، فكيف ستكون تأثيرات الحزمة القادمة؟ من دون شك إن كل الدلائل والمٶشرات تٶكد بأن الاوضاع في إيران ستتجه للمزيد من التردي والوخامة وإن الخيارات المتاحة أمام طهران لمواجهة الاحتمالات السلبية القائمة من جراء العقوبات كلها لن تكون خيارات مفيدة ومٶثرة على الطرف الآخر وانما ستكون خيارات إنتحارية وفيها الكثير من روح المجازفة والمغامرة التي لم تعد تنفع إيران ولاسيما بعد أن صار الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا على إطلاع كامل بطرق"اللعب" لطهران وكيف إن الدول الغربية صارت تعرف كيف تجبر طهران على التوجه للجد وترك اللعب غير المجدي.

منى سالم الجبوري