عقلياتنا حالياً

منذ عقد ونيف ، وواقعنا الاجتماعي يشهد انحسارا وتراجعا مريعين لأدوار المؤسسات التربوية .. انعكست آثارها على الإنسان المغربي المعاصر ( الأربعيني فما دون ) ، وسلوكاته ومواقفه وحتى أدائه العملي إن كان يمتهن عملا ، يمكن ؛ بيسر تام ؛ معايشتها والاحتكاك بها في كل المواقع والمرافق والمناسبات ؛ ولعل أقربها إلينا المناسبات الدينية ، وعلى وجه أخص العيدين ؛ عيد الفطر وعيد الأضحى والتي تختزل وبشكل صارخ العقلية المغربية الجديدة الخالية بالكاد من كل آثار التربية والتنشئة الاجتماعية ، وكأننا إزاء إفراز جديد لكائن بشري تعطلت لديه كل مقومات الشخصية السوية ، وحاضرة بدلها بقوة فقط حاجياته ونزواته التي يسعى إلى إشباعها بكل ما اتفق له من وسائل وأساليب ؛ لا يعيرها أي اهتمام ما إن كانت مشروعة أو لامشروعة ، أشبه بكائن غرائزي !. ترى ما هي أسباب ضمور أدوار التربية لديه ، وهل بالإمكان استعادتها في ظل المتغيرات الحالية ؟

الأمية والأسرة اللامربية والبورطابل الأعمى !

غير خاف على أحد أن المغاربة ؛ في الظروف الراهنة ؛ أصبحوا يمقتون القراءة أو بالأحرى فقدوا بالكاد الثقة بها ، لقناعتهم بأنها غير وظيفية وتلقي كل سنة بعشرات الآلاف من الطلبة إلى عرض الشارع ، ولا أمل في تشغيلهم ، لكن ومن سخرية الأقدار وجدوا في البورطابل ، ووسائل التواصل الاجتماعي عموما بديلا فأقبلوا يلتهمون كل موادها بما فيها أشرطة الفيديو القصيرة بلغاتها العامية الفجة ، لذلك لاحظنا ؛ في هذا السياق ؛ استواء الأمي والمتعلم على حد سواء في التعاطي لهذا الإعلام الشعبي الرقمي الذي يكرس في صاحبه الهوس بالثقافة الشعبية ، والمساهمة في نشرها على أوسع نطاق .

وكان من الضروري ؛ وكنتيجة حتمية ؛ لتضافر هذه العوامل بروز ظاهرة أسر لا تتوفر لها أدنى المقاييس التربوية .. بل تتخذ من أليوتوب وأشرطته وسيلة لإسكات صغارها ، فيظلون لساعات طوال وأعينهم لصيقة بها ، وأهاليهم ؛ على مواعد مع الواطسيب والفايسبوك ؛ غير آبهين بتداعياتها الصحية والتي قد تذهب بأبصارهم في وقت وجيز ، فكيف بعقولهم !

مواطن يدعو إلى القلق والتوجس

لنا في حوادث السير أكبر مؤشر على مرضية شخصية المواطن المغربي ، عدا سلوكاته الرعناء سواء في المرافق العامة أو امتهان حرفة معينة كسائق سيارة الأجرة والنقل العمومي الحضري ، أو كموظف عادي ملحق ببعض المرافق الإدارية العمومية . ولترجمة سلوك المواطن المغربي الحديث إلى أرقام ، يكفي الوقوف عند بعض المؤشرات . فالدولة تخسر سنويا ملايين الدولارات جراء :

*حوادث السير ................................. 7500 بين قتيل وجريح ، مما يجبر الدولة على رفع حالة الطوارئ بداخل المستشفيات .

* تأخر في تدبير ملفات وقضايا المواطنين .................لمدة تزيد عن 5 سنوات في المتوسط .

* أخطاء واختلالات فادحة ، مثال هندسة الباء ( قناطر ؛ طرق ؛ دور سكنية ) ..... ضحايا مع نهب الملايين .

* أخطاء مهنية على المستوى الصحي (عمليات جراحية ، ولادات ...) ، وما يستنزف ذلك من طاقات الدولة

* ديبلومات وأطروحات جامعية مغربية عرضة للبيع والشراء ؛

* السيارت الوظيفية التابعة لملكية الدولة لا تعيش في المتوسط أكثر من 5 خمس سنوات حتى تنضم إلى حظيرة المتلاشيات ؛

* هدر المليارات من الدراهم على التعليم مقابل مخرجات ضحلة ؛

* استفحال معدلات الجريمة داخل المدن بأرقام قياسية، واحتلال المغرب رتبة لا بأس بها في احتراف الإجرام ؛

* هروب الرساميل الأجنبية وعدولها عن استثمارها في المغرب ، بما فيها أحيانا الرساميل الوطنية .



عبد اللطيف مجدوب