أولا:المغرب الموحد بالأسس لا بالوساوس

لم نتردد يوما ولن نتلكأ في نصرة هذا الوطن المغرب الحبيب شعبا وملكا ودولة وترابا،وذلك حينما يكون الخطر مهددا من الخارج أو من بعض الجيران السيئين الذين لم يراعوا حقوق الجوار ولا آداب السياسة وعمق الروابط التاريخية والدينية واللغوية .

لكن حينما يكون الضرر نابعا من الداخل ومن بني جلدتنا وقومنا فذلك مدعاة إلى التأمل والتمهل ،وتقديم رجل وتأخير أخرى ،نظرا لما يمكن أن يؤول به الخطاب ويحمل على غير محمله ولما يسود من التعصب القاتم بين الأقارب كالعقارب أكثر من الأباعد ،فيقع الإحراج والتخوين والتهوين ولم التهديد والتنديد.

وأخطر ما في الأمر حينما يتنكر المواطن لأخيه المواطن والجهة للجهة واللهجة مع العلم أن الكل مشترك بين الجميع ولا فضل لزيد على عمرو في هذا الأمر.لأن في هذا التنكر اعتداء على المواطنين لا على الدولة المشتكى منها.

فلقد كانت تشاع فيما قبل ومنذ بدايات الاستقلال كلمة مشبوهة تنسب إلى بعض الأحزاب أو الجهات وتلزق بهم لزقا إما حقيقة أو زورا وهي :"المغرب لنا لا لغيرنا"حاملة دلالات الاستئثار بخيرات المغرب ومقدراته الاقتصادية والسياسية والثقافية ،في حين ومن نفس الكلمة تستشف دلالات التمسك بالوطن وما يجب الحفاظ عليه لكسب الوحدة والتنعم بخيراته وبركاته .بحيث أن كلمة غيرنا قد تحمل اشتراكا لفظيا يمكن تصريفه بحسب النوايا والمقاصد.فهل غيرنا يعني الأجانب أم غيرنا يعني تمتيع جهة وحرمان أخرى من داخل الوطن نفسه.

لكن ومع سوء التعبير أو القصد من هذه الكلمة فهي قد تبقى أرحم وأخف لهجة من عبارة"نحن المغاربة الأصليون وغيرنا هم الدخلاء "أو "الجمهورية الريفية (الجبلية)"و"الجمهورية الصحراوية الوهمية" أو:"الجمهورية الجنية الشمهاروشية"(تحت أرضية) في مضادة للمملكة المغربية العلوية الشريفة.

وهي أرحم من تقسيم المغاربة الشرفاء والإخوة بالدم والنسب والدين والتاريخ إلى أمازيغ وقومجيين عروبيين وصحراويين أعراب وغير ذلك مما يلاك على ألسنة بعض السفهاء الفاشلين في كل الميادين والذين لا هم لهم سوى التشويش وخدمة أجندة الأعداء والمتربصين بوحدة هذا الوطن شعبا ودولة وترابا.

فالمغرب الموحد لم يأت اعتباطا ولا عفويا ،ولا حتى من منطلق التوافق العشائري التقليدي، وإنما هو ناتج عن قيام دولة راسخة وذات جذور دينية وسلالية ،ورؤية ونظام سياسي وحضاري منظم ومحسوب الخطوات والتوازنات لا ينبغي أن يستهان بها .

فقلد كان على رأس هرمها المولى إدريس الأول ثم إدريس الثاني مؤسس فاس العاصمة العلمية والروحية والسياسية لكل المغاربة عبر قرون ولت.وما بين هذه الدولة الإدريسية والدولة العلوية المعاصرة مرت دول كلها بقيت على نفس النهج السياسي الأول ،رغم اختلاف الأسماء والطقوس،ملكية دستورية متوارثة تنبني على البيعة والولاء والتزام الدين الإسلامي كمكون أساسي للمجتمع المغربي بعربيهم وأمازيغيهم بدون تفريق ولا تمزيق.

فلما حل بالمغاربة ما حل بهم من بلاء الاستعمار المزدوج حاول الفرنسيون امتحان هذه الوحدة من خلال الظهير البربري ففشلوا فشلا ذريعا وكانت بعده حركة اللطيف واتحدت القوى الوطنية واستعرت نار المقاومة لحد جلاء الاستعمار .

وقبل الاستقلال، وعنده وبعده ،كان الملك محمد الخامس رحمه الله يمثل رمز المقاومة الوطنية ورمز الإباء والقيادة للشعب المغربي ،ولم يضرب أحدا على يده لكي يؤيده ويناصره وإنما كان الشعب المغربي بكل تلقائية يهب لذلك ويحبه عاطفيا وروحيا وسياسيا،والدليل على هذا ما كان من ذلك الاستقبال الباهر له عند زيارته لطنجة سنة1947وتهافت الجماهير بالآلاف لرؤيته والتملي بطلعته، ثم أيضا عند عودته من المنفى .كما أن خطابه كان إفشالا لمبادرة إيريك لابون وعزله من طرف السلطات الفرنسية.

هذا إذا علمنا بأن الدولة قد كانت في تلك الفترة على ضعف كبير من حيث القوة العسكرية والأمنية والاستخباراتية ،ولقد كان ممكنا أن ثؤثر فيها ولو ثورة بسيطة أو شغب معارض عارض ،ولكن الشعب قال كلمته وأحسن الاختيار وكان أوعى من كل الشعوب بخصوصية قيادته وقيمتها.

ثم بعد محمد الخامس جاء عهد الملك الحسن الثاني رحمه الله تعالى،في فترة عصيبة ومعقدة كل التعقيد كان المغرب فيها مهددا بالانقسام من كل جانب مع ما واكب ذلك من حرب الرمال ومناوشة ومؤامرات الجيران شمالا وشرقا وجنوبا الشيء الذي تولد عنه من ترقيات لبعض الجنرالات العسكريين جعل البعض منهم يطمع في ما هو أعلى من رتبهم وأوسع من حوصلتهم فكان ما كان من انقلاب الصخيرات ثم تلاه انقلاب الطائرة تعرض له الملك ومعه ابنه ،الملك محمد السادس، حاليا وقرابته، ما تعرض من رعب وإهانة وإشراف على الموت المحقق لولا لطف الله وعنايته به وبنا نحن المغاربة كشعب موحد وأصيل ،مدني ومتحضر.

يضاف إلى هذه الأهوال والآفات ضرورة انخراط المغرب بحكم موقعه الاستراتيجي والجيو- سياسي ضمن كتلة المعسكر الغربي في مواجهة المد الشيوعي السوفيتي آنذاك ،حيث اختار الأقرب والأصوب للحفاظ على استقلال المغرب واستقراره في نفس الوقت ولم تغره الشعارات الوهمية حول الاشتراكية والمنظمات التحريرية الثورية...

فالمغرب في الحقيقة قد أصبح كما كان عليه الحال في عهد طارق بن زياد :"العدو أمامكم والبحر من ورائكم" ولكن بتصنيف مختلف.إذ "البحر أمامكم والعدو بجانبكم وورائكم".ولكم التعليق.

وهذا التموقع هو الذي يحدد لنا عظمة المغرب وقيمته ونوعية سياسته التي يترأسها الملك بالدرجة الأولى.بحيث وبالرغم من هذا الحصار على كل الجبهات ومن شتى المستويات بقي المغرب واقفا على رجليه وحاله أفضل من حال جيرانه بألف مرة.وليس له متنفس لبسط تقدمه والمضي فيه كما ينبغي ويتوقع البسطاء.لأن كل بلد لكي يتقدم يجب أن يكون له حسن جوار لتأسيس الكتلة الاقتصادية والتبادل الأقرب والأسهل.لكن المغرب لا يتوفر على هذا بتاتا .من الشمال هناك أوروبا الاستعمارية والاستغلالية ومن الشرق الجارة الحسودة والمنغلقة فكرا وسياسة واقتصادا ،رغم ضخامة البترول والغاز، ومن الجنوب الصحاري والفيافي والأفاعي والعقارب، ومن الغرب المحيط والأمواج والقرش والأخطبوط.

وعند التأمل والاستقراء نجد أن المشاركين في تلك الانقلابات الفاشلة بفشل أصحابها وسوء نواياهم تجاه هذا الشعب المغربي المسامح الصبور قد كانوا في أغلبهم أمازيغ كما يزعمون وبالأخص من منطقة الريف كالمذبوح وأمقران واعبابو وغيرهم ،وعلى الضفة الأخرى كان ثلة مخلصين للملك والوطن من نفس حفدة طارق بن زياد كمحمد أمزيان وأشهبار والحرشي وغيرهم،الشيء الذي يؤكد بالملموس أن الدولة المغربية دولة وطنية ولم تكن تعاني من عقد الريف ولا التخريف عند التوظيف ،وإنما كانت الكفاءات واختبار الولاءات هو الأساس في هذه الترقيات وهذا من حقها كدولة لبناء العصبية.

ولو كان الأمر كما يزعم بعض ناعقي الانفصال من خارج المغرب بأن الدولة المغربية تعتبر منطقة الريف عسكرية وأنها بمثابة محتل للمنطقة لما أدرج الريفيون ضمن أعلى المراتب في الجيش والأمن حيث السلاح والقوة وسرعة التنفيذ.

لكن وبعد هذه الأحداث المرعبة والتي من الضرورة أن تترك أثرا لدى الحاكم والمحكوم كان لا بد من أخذ الحيطة ،خاصة إذا كانت المنطقة أية منطقة في البلد يتمركز فيها رواد الفتنة وذوي نزعات ثورية أو انقلابية وانفصالية مرتبطة بالخارج العدو الثابت.

ثانيا: تحقيق الوحدة الوطنية بين رخاوة اللين وعصى الشدة

أنتقل من الجدل العسكري إلى الجدل المواكب له وانعكاسه على المدني من خلال تحليل خطاب (الأوباش) سنة 1984الذي لم ينته صداه ولم تهدأ انعكاساته والذي استغل استغلالا لحاجة في نفس يعقوب.

فالخطاب خطاب انفعال وغضب ورد فعل نحو أحداث عاصفة وخطيرة جدا هددت وحدة المغرب من الداخل والخارج.والحالة في مثل هذه الظروف من الناحية الفقهية غير ملزمة كمثال طلاق المكره والغضبان حيث أفتى مالك بأنه لا يجوز.

والحسن الثاني رحمه الله ،منذ نعومة أظفارنا ونحن نسمع منه كلمة طيبة ومخلدة في سجل حسناته وأخلاقه وهي :"شعبي العزيز"،وفعلا كان الأمر هكذا لأن الرجل لم يكن ينافق ولا يعرف إلا الصراحة والجدية ولو نعت بما نعت به من الشدة والقسوة والصرامة إلا أنه كان مع ذلك يحب شعبه ويحب وطنه لحد القداسة.

كما أن الخطاب الذي استغل وحمل على غير محمله لم ينعت الشمال أو الريف بالأوباش على وجه العموم والشمول .وإنما كان دقيقا وذكيا في العبارة حيث حدد أن :"الأوباش في الناضور، الحسيمة ،تطوان ،القصر الكبير ،الأوباش العاطلين اللي عايشين بالتهريب والسرقة".والذي يعرف النحو يدرك أن الكلام بعد الكلام في نفس الموضوع له صفة البدل. أنواعه أربعة : بدل الشيء من الشيء، و بدل البعض من الكلِّ، و بَدَلُ الاشتمال، و بدل الغلط.

كلام واضح كل الوضوح وصريح كل الصراحة ومحدد،إذ كل بلد إلا وفيه الأوباش حتى في الشرق العربي قد كانوا يصفون بعض الفوضويين وغير المتحضرين من الأكراد والأتراك والنبط وغيرهم بأنهم أوباش ،وإلا ففي هذه المناطق رجال علم وفضل قد لا يصل إليهم كثير من العرب ذوي الحسب والنسب.

وخطبة الحسن الثاني هاته تذكرني بتلك المأثورة عن زياد بن أبيه في زمن معاوية بن أبي سفيان تعرف بالخطبة البتراء ،عبرها أسس لما سيعرف في عصرنا بقانون الطوارئ أو الأحكام العرفية،حتى يقال بأن أحسن فترة سلم وهدوء وأمن عرفتها البصرة وما حولها في تاريخها هي فترة ولاية زياد بن أبيه بعد الخطبة المذكورة .

والذي عاش أحداث 1984 يدرك ويلاتها وخطر الانفلات الأمني فيها حيث ماج الناس فيها موجا وأرعبوا فيها رعبا، لا يمكن لأي فيلم هوليودي تمثيلها أو صياغة روايتها، قد شهدت بعض أهم فصولها شخصيا وعلى مسافة سنتيمترات من رصاصها وبنادقها وأحجارها حتى كنت قاب قوسين من أن أكون ضمن ضحاياها،فاستنكرنا مع المستنكرين وعارضنا مع المعارضين ،ولكن لما تبين لنا هول المصيبة المتأهبة لكي تشملنا أدركنا أن الأمر ليس مجرد مطالبة بحقوق سليمة وسلمية وإنما هي مؤامرة تدميرية تنوي حصد البلد بالنار والحديد حصدا!!!.

ولولا هذا الخطاب الشديد اللهجة الذي خرج به الملك الحسن الثاني رحمه الله في وقته المناسب لصرنا في عداد المفقودين والمشردين أو المقبورين،لأن بوادر السيْبة كانت قد بدت وأخذ كل وبَش ينتقم من وبش مثله أو مواطن آمن ،وخاصة في تطوان مدينتي حيث كنت أسكن،وبالتحديد في حي التوتة وسانية الرمل وزيانة والطويلع حتى باب العقلة،حتى دخل المجرمون الدور واعتدوا على الساكنة فسرقوا واغتصبوا وجرحوا وشوهوا الوجوه والأطراف ،فجاء الرد المناسب من الجيش بالرغم من التجاوزات وتحقق القانون الفيزيائي السياسي العسكري وهو:"لا يفل الحديد إلا الحديد".

أنتقل سريعا بالموضوع إلى عهد الملك محمد السادس وصلته بالمنطقة:الشمال ككل والريف خصوصا.إذ كانت أولى محطة زارها بعد توليه فاستقبله أهلها بالترحاب والمحبة والولاء والاستبشار ،ومن تطوان عرج على جبال الريف متجشما المتاعب والمشاق في منطقة وعرة المسالك لا يمر بها إلا المضطر قد كنا نسميها بالصراط.

وهكذا مر محمد السادس فاتحا ذراعيه لشعبه لا يميز بين ريفي جبلي ولا أمازيغي أو عربي ،بل قد صرح منذ البداية بأن "نصفي أمازيغي" وهذا يكفي.

ومعلومة أن نسبة الريفيين في تطوان وطنجة تمثل أعلى كثافة سكانية وأكثر المواطنين اندماجا وثراء وتجارة وملكا للعقارات ،حتى إن بعض التطوانيين من ذوي الأصول الأندلسية اشتكوا من هذه المزاحمة لما أصبحوا يعانونه من ضعف في التجارة والاستغلال العقاري،حيث أصبح أهل كتامة يحملون الرقم القياسي في الثروة بلا منازع.

فأين هو التهميش ومزاعم احتلال الدولة للريف والعسكرة العدائية كما يروج له بعض المأجورين من الانفصاليين في قنوات خارجية تناصب العداء سرا وجهرا لوحدة المغرب واستقراره؟

وبعد الزيارة الملكية هاته إلى الريف قال لي عمي الحسين بن يعيش رحمه الله.وقد كان فقيرا مدقعا وبدويا مهمشا لكنه لم يفرط في وطنيته ولم يبعها :"يا بن أخي إن هذا الملك محمد السادس رجل محبوب وصالح وموفق ،ولقد مسح وعالج بزيارته هاته إلى الريف جرحا غائرا مازالت آثاره حاضرة لدى بعضهم"وهو يشير إلى أحداث 1958 وربما أيضا 1984 .

فلقد كان هذا حوارا عائليا بعيدا عن الكاميرات والتملق للارتزاق على حساب الوطن واستقراره ،مبرزا أن الشعب المغربي مهما افتقر أو ضاق حاله عصي عن أن يبيع وطنه أو يفرط في وحدته ،تماما قال لي أحد المواطنين بقرية إيموزار جهة إفران:"إذا تعلق الأمر بأمن البلد ووحدته فكلنا استخباراتيون حتى النخاع "من التاجر في الحانوت حتى البحار في عمق مسكن الحوت.

ثالثا:الملك محمد السادس بين سياسة الحكمة ونظافة الذمة

فلقد تميز عهد الملك محمد السادس منذ البداية بالنزول إلى الشارع والاقتراب من المواطن بالجسد والروح معا،من غير حواجز أو شبابيك ومصفحات ،حتى قد كنا نخشى عليه في بعض الأحيان من هذا القرب،وهذا دليل الحب والمواطنة الصادقة ،وهو في هذا الأمر يشبه أباه الحسن الثاني منذ شبابه حيث كان يسعى بدوره إلى الالتحام بالطلبة في السويسي وغيره من الأحياء والمؤسسات لولا سوء خلق واستقبال بعض من كانوا يحسبون أنفسهم تقدميين وثوريين زعما ،الشيء الذي جعله يتراجع قليلا عن هذا القرب لدواعي أمنية محضة .

كما أن من أهم منجزاته بعد سياسة القرب هاته وسياسة السدود عند والده العمل على إصلاح الشبكة الطرقية وتوسيعها وتنوع الطرق السيارة عبر ربوع الوطن مع إضفاء الحداثة الرائقة واللائقة على المدينة واستغلال الطاقة البديلة والمتجددة في ظل نقص البترول .حتى قد تم في وقت وجيز فتح الطريق الساحلي نحو الريف لتقريب الريفيين من إخوانهم المغاربة في جميع المغرب.وأصبحنا نرى مغربا مختلفا تماما عن مغرب ما قبل 2000.

أما من الناحية الخلقية والحكمة السياسية فقد عهدناه منذ تولي الحكم بالاعتدال في خطاباته والدقة الموضوعية خارج الإنشاء والكلام الذي لا طائل عملي وراءه.في حين تميز أداؤه بالصبر والأناة والحلم بالرغم مما يساء إليه عبر وسائل الإعلام الهجينة والمترهلة وما يكتب عن شخصه من ترهات وسفاهات لا أساس لها من الصحة ولا يليق بمواطن غيور ومسلم أن يسلم بها أو حتى يتساءل عنها :"يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ".

فالرجل قد أبحر بالبلد في فترة عصيبة كادت أن تعصف به عصفا بالرغم من الدمار الشامل الذي أصاب من حولنا والتهديدات التي طالت بلادنا من الداخل والخارج ،ومع ذلك لم يرد أن يزج بنا في متاهات قد تأتي على الأخضر واليابس.والأهم من كل هذا وذاك كان وما يزال حريصا على حقن دماء المغاربة بالرغم من الحراكات العنيفة التي تهيج في هذه المدينة أوتلك .وهذه ميزة لم نجد في عصرنا هذا من يتحلى بها.فيده نظيفة من دم مسفوك بغير حق ،وهذه فضيلة ما بعدها من فضيلة حينما يتميز بها الحاكم بالرغم من بوادر الاضطراب والشغب المستفز.

فلقد أثبت أنه لاعب شطرنج ماهر، قليل الكلام خدوم لشعبه في صمت لا يخرج منه حتى يخرج ومعه نتاج يبشر بخير ويفتح باب الأمل.

ثم هو يغدق على البعض بالامتيازات حتى يبدلوا معارضتهم إلى ولاء صرف، بل إلى خدام أعتاب ،حتى كشف وجوه كثير منهم للشعب وتبين أنهم لم يكونوا سوى عباد للكراسي لا أصحاب مبادئ ومواقف سياسية أو دينية صادقة.

في حين قد لا يتردد في احترام وتوقير الأولياء وصالحي هذا البلد وعلمائه،علما منه بأنهم الركائز الروحية والشرعية والأخلاقية لهذا الشعب والأمة وأن دعواتهم حصانة وحفظا له ولشعبه ،دعوات كلها إخلاص وقرب من الله تعالى ومحبة رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .وهذه دعامة ما بعدها من دعامة وقوة ما بعدها من قوة.

هذه بعض العوامل التي تؤكد بأن المغرب عصي على التقسيم وأوهام الانفصال وأن الشعب لن يجاري تلك السخافات التي تطل عليه من بعض القنوات ومأجوريها بين الفينة وأخرى.

كما أؤكد على أن المغرب وخاصة أهل الريف هم عمدة أساسية لهذا الوطن وفيهم رجال شامخة هممهم وهم أحرى بهذا الانتماء والاحترام والتقدير ،وأن ما يجري على الريف يجري على غيره لأن المسألة اقتصادية وسياسية معقدة وتحتاج إلى رجال أكفاء وشرفاء لمساعدة الملك على هذا الحمل الثقيل جدا.

وحينما نتحدث عن الدولة بهذه الإيجابية فليس معناه أن ليست هناك سلبية بل هي كثيرة جدا ومعقدة ولكن عند الموازنة سنجد أن حالنا خير من غيرنا أضعافا مضاعفة ،وأن الصبر كفيل باجتياز هذه المرحلة ،إذ كلنا في الهم سوا ولنا أبناء وبنات عاطلين ونعاني من ضيق الحال ونشتكي من المحسوبية وعدم تكافؤ الفرص ،ولكن كل هذا لا تتحمله الدولة وحدها بل هناك حواشي الدولة ومن يحسبون عليها باسم الحزبية والعلم الشرعي والأمني وغيره .وهؤلاء أشد خطورة من رجال الدولة لأنهم يقتاتون على الفراغ ويتصرفون خارج القانون والمراقبة فهل من يكشف أصنافهم وأنواعهم حتى يستقر الحال وتطمئن النفوس؟

وحينما لا ينظر إلى الأمر من كل زواياه ولا يذكر إلا السلبي والأسود السيء من الموضوع فذلك هو"ادْريز فادْريز".



محمد بنيعيش