أعرف أنني أستفز نفوسا مريضة بهذا العنوان، لاسيما فئة العبيد، وأدق ناقوسا لم يألف دقه المداهنون. وأعرف أنني تجاوزت الخطوط الصفراء والحمراء وكل الأعراف الدبلوماسية التي وضعها فراعنة العصر. ولكنني غير مقتنع بقانون الغابة الذي ساد هذه السنوات الأخيرة في الجزائر، حيث أصبحت تصفية الحسابات على الهواء، القوي فيها يأكل الضعيف، الى درجة أن احتار الفضلاء والعقلاء والشرفاء وأولي الألباب.

 لقد تمردت عن لغة المجاملات والمديح منذ صغري، وسللت سيفي من غمده يوم أن أعطيت لي الفرصة في الانترنت، لضرب أعناق كل الذين يشاركون في تضليل الشعب، في الدوائر الموبوءة بكوليرا الفساد من خلال نشر الحقيقة والتوجيه الصحيح.

وها أنذا أحاول مرة أخرى أن أطرق من خلال هذه العبارات المتواضعة الرؤوس العفنة، التي أوصلت البلاد والعباد الى هذا الوضع المتردي الذي لم تعشه الجزائر من قبل، حيث أصبحت الجزائر مسخرة تتسلى بها الشعوب في الفضاءات المختلفة.

لقد أصبح البيض يفقس في الطرقات والكتاكيت تقفز من هنا وهناك وكأنها تحتج بدل المحتجين من الأطباء الذين يضربون بالعصي في الطرقات.

والمياه تتفجر من الأنابيب معلنة أنها لم تعد هي الأخرى تقبل الأنابيب الصدئة بدل المفكرين الذين يفكرون في أنفسهم.

والخنازير تتجول في الشوارع والشواطئ، وكأنها تعلن أن رؤوس الفساد لم يعودوا يخشون شيئا ومستعدون للفتك بالشعب غير مبالين بالإنسانية، وأن المصطافين في الشواطئ من الذين لا يعبئون بالشأن العام لا فرق بينهم وبين الخنازير.

والجرذان تتسكع من كثرة الفساد والاهمال والتبذير. وياله من وضع مزري وصلنا اليه وأطنان من الخضراوات ترمى في المزابل وعلى قارعات الطرق، بل خرفان مشوية بكاملها، عبارة عن فضلات من ارتووا من معاناة الشعب خلال المأساة، فيما الفقراء والمساكين يتحسرون للمشاهد التي تؤلمهم ومنهم من يتمنى أن يشتري كبش العيد ليدخل البهجة والسرور على أطفاله، ومنهم من يلتقط ما تبقى في السوق.

ليس للسلطات الجزائرية الحالية الشجاعة أن تعترف بعجزها وأخطائها، وتتحمل مسؤولياتها الكاملة في الإخفاق، لاسيما وأنها صرفت مليارات من الدولارات، وتترك منفذا يمنع الجزائر من انفجار وشيك، فتحاول أن تجد تفسيرات وتبريرات لتصرفاتها الرعناء من خلال الأبواق والخدم، وتلقي باللوم على المواطن المغلوب، وبعيدا عن القراءة الواقعية التي تشخص الأوضاع وتطمئن النفوس.

ونحن بدورنا لا نعفي المواطن من مسئولياته، لأن المسئولين لم ينزلوا من كوكب آخر. ولكن قولوا لي بربكم: كيف نستطيع أن ننشئ بيئة نظيفة من التلوث، ومواطنا صالحا يحرص على النظافة في القطاعات المختلفة ويهتم بالشأن العام في ظل نظام فاسد لم يعد ينتج الا الرداءة والعفن؟ كم من وزير، وكم من حكومة، وكم من جنرال، وكم من والٍ، وكم من رئيس دائرة، وكم من مدراء تم تغييرهم في الجزائر في مصالح مختلفة منذ مجيء بوتفليقة؟

ما الذي تغير في واقع الناس؟ ماقيمة أن تبني جامعة ولا تقيم وزنا لإرادة الطالب والأستاذ؟ ما قيمة أن تبني الهياكل وأنت لا تقيم وزنا لارادة الشعب، بل تعتبره قاصرا...وياليتكم ركزتم على بناء الانسان. غير بوتفليقة منذ قدومه مئات وآلاف المسؤولين ولم يبق له الا تغيير الشعب ولو استطاع لفعل.

ماذا ننتظر من رئيس بلدية راشٍ ومرتشٍ؟ ومن وزير لا يعبر عن الارادة الشعبية، ومن نائب لا يعرف دوره في البرلمان ونائبة تقضي أغلب وقتها في الحلاقة والتجميل ورئيس أصبح للتنكيت؟

لقد وصل الفساد في الجزائر الى حد لا يطاق، حيث أصبح التنافس عليه بدل التنافس على الاصلاح.

إن قضية الكوكايين الأخيرة التي أطاحت بعدة جنرالات ومسؤولين، منهم المدير العام للأمن الوطني عبدالغني الهامل، والذي كان آخر تصريح له بعنوان "من يحارب الفاسد يجب أن يكون نظيفا"، لدليل قاطع بأن الفساد استشرى في المجتمع الجزائري بشكل رهيب وأصبح الجزائريون النظيفون في مراكز عليا ندرة وعملة صعبة المنال.

لقد أصبحت المستشفيات والفنادق في بعض البلدان تقام للكلاب والقطط، ويتمتع أصحابها بخدمات عالية الجودة، بل فرق خاصة تقوم بالبحث عن القطط والكلاب المشردة في الشوارع لإيوائها. وهناك مواقع تحمل عناوين وصورا وتقترح تبنّي الحيوانات مقابل محفزات.

فيما الجزائر التي تتمتع بطاقات مختلفة وثروات وتستطيع أن تحقق الاكتفاء، لاتزال تراوح مكانها.

لقد جاهد الشرفاء والمخلصون في الجزائر من أجل أن يعيش الشعب حرا عزيزا مكرما. وها نحن عدنا الى داء الكوليرا، ويا لها من خيبة وحسرة!

فهل قدر الجزائر أن يصاب المواطنون فيها في ولايات مختلفة وبالأمراض المختلفة من غير الكوليرا التي ظن الناس أنها انتهت الى غير رجعة، فيما الحصون المانعة في نادي الصنوبر والمرادية ووزارة الدفاع؟ فعلى من تترأسون وتدافعون يا من لم تستطيعوا تنظيم القمامة والمسالخ؟

متى تصل الكوليرا الى قصر المرادية وتصيب الرئيس والعسس الذين يحاولون الحفاظ على حياته ولو على حساب شعب كامل؟

وتصل الكوليرا وزارة الدفاع وتصيب صالح وخدمه، وتصل الكوليرا المحميات في الأماكن المختلفة، حتى يكون المسؤولون عادلين في تقسيم الامراض والأوبئة والتلوث، ويصابون بالهلع مثلما يصاب به المواطن؟