لقد سبق أن أدان أمير المؤمنين، في الذكرى الثلاثين لجلوسه على العرش، المذاهب المادية مشيرا إلى أن العدالة الإسلامية هي أشمل من عدالة هذه المذاهب قائلا: "ليست بنا حاجة إلى اعتناق المذاهب المادية الأجنبية المتنافية مع معتقداتنا".

وعلى إثر خرق "الحزب الشيوعي المغربي" لبنود ظهير 1958 الذي ينظم الجمعيات، حيث اعتبر الحزب أن أحد أهدافه "هدم الملكية "؛ وهو الأمر الذي دعا حكومة عبد الله إبراهيم إلى ضرورة اتخاذ قرار لحل الحزب الشيوعي، فرفعت القضية أمام القضاء، حيث حكمت المحكمة لصالح الحزب؛ لأن "الدولة " لم تقدم البرهان الكافي على نيات الحزب، واستأنفت الدولة الدعوى أمام محكمة الاستئناف بالرباط.

ولإدانة الحزب المذكور، اعتمد وكيل الدولة العام في التهمة على تصريحات الملك، واعتبر أن لها قوة القانون؛ لكن الحزب استأنف الحكم أمام المجلس الأعلى الذي أصدر فيها بعد حكمه النهائي برفض الاستئناف سنة 1964، ودعم قراره بالاستناد على تصريحات الملك في خطاب العرش.

لكن في عز حالة الاستثناء، حين عطلت الحياة السياسية، وأمام تنامي المدين اليساري - القومي في العالم وتنامي التيارات الماركسية - الشيوعية في المجتمعات العربية – (العراق، سوريا، مصر، تونس، الجزائر...) – والتي تسربت إيديولوجيتها إلى المغرب فإن أمير المؤمنين ولوقف مد هذه الظاهرة دشن "عملية الكتاتيب القرآنية" بتاريخ 10 أكتوبر 1968، حيث قال الملك الراحل الحسن الثاني: "لذا بعد التفكير، اقتضى نظرنا استجابة إلى داعي الضمير ونزولا عند مقتضيات الدستور وبرا وتطبيقا لواجبنا الذي هو قبل كل شيء يفرض علينا أن نكون حامي الملة والدين قررنا أن نفتح هذه السنة حملة الكتاتيب القرآنية..."

ولأن أجيال الاستقلال هي الأجيال التي تعلمت في الكتاتيب، يتساءل أمير المؤمنين: "هل الأجيال المتشككة الشاكة الضالة المحتارة بين التجاذب الشرقي والغربي، الشمالي والجنوبي، هي التي أتت بشيء ما؟ وهل هي التي من شأنها أن تأتي بشيء ما؟". وأجاب بالنفي: "لا أعتقد ذلك، لأنها لا تتوفر على الأساس.. لا تستقر على حال من القلق، والقلق من الناحية النفسية هو الحيرة هو البحث عن ضالة وعدم وجودها"...

وهو ما يتنافى مع الشخصية المغربية التي لا تنطبع بانطباعات خارجية، الشيء الذي حصل ببعض الدول العربية والإفريقية حديثة العهد بالاستقلال والتي رأت في تلك الإيديولوجية المنقذ للخروج من التخلف وبناء الدولة؛ وهو ما نشاهد تداعياته السلبية اليوم، بعد إفلاس هذا الخطاب وتلك الإيديولوجية..

وهو التسلل الإيديولوجي الذي أراد البعض أن يمرر عدواه إلى المملكة عبر الواجهة الجنوبية عن طريق خلق "جمهورية وهمية " في سراب الصحراء، حيث يعتبر الحسن الثاني أن "هذه الصحراء كانت محل أطماع وما زالت... وستبقى قلعة في وجه إيديولوجيات تريد.. أن تسيطر على إفريقيا، ونحن غير راضين ولا قابلين لترك المجال لها.. علينا أن ندافع عن فضيلتنا وعن النظام الذي نريد أن نعيش فيه مبني على الإسلام واشتراكية الإسلام"...

فالحسن الثاني لم تكن له مشكلة مع الماركسي – الشيوعي المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؛ "فليس "النظام الاقتصادي والاجتماعي عندنا معيار، المسلم هو من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن يؤمن بالإنجيل والتوراة وأن يؤمن حتما بأن المسيح وموسى هما من رسل الله، فإذا كان ماركسيا ويذهب في الوقت نفسه إلى المسجد فلا يمكننا أن نقول إنه ملحد، فالإسلام يمكن أن ينسجم مع هذه الحالات، يمكننا أن نكون رأسماليين اشتراكيين وإسلاميين اشتراكيين، بل وحتى ماركسيين شريطة أن لا نكون عبيدا لكارل ماركس.. فإذا آمنا حتى بالجانب العقائدي للماركسية فإن الشيوعية في هذا الحالة يجب محاربتها".

 

عبد الرحمان شحشي