بلد مثل بلدنا في الموقع والسياق الاقتصادي والتنموي المرتب في ذيل القائمة العالمية يحتاج فعلا إلى ثورة.

ثورة تمس الروح أولا قبل الجسد، ثورة من شأنها أن تقوّض البنى المترهلة في الفكر والثقافة والاجتماع.

إن الثورة إذا لم تمس البنية الذهنية لتقطع مع الراكد والآسن في محيط الإنسان نحو آفاق رحبة على أسس من الحريات والحقوق لا يمكن أن تؤدي إلا إلى انتكاسة وإعادة إنتاج التخلف والانحطاط كعنوان لاستمرارية معطوبة منفعلة وغير فاعلة مستقبلة وغير منتجة.

في ضوء ما سبق وتفاعلا مع الخطاب الملكي بمناسبة عيد الشباب والذي ركز فيه عاهل البلاد على التعليم كإستراتيجية للنهوض والانطلاق التنموي للنموذج المتوخى وفق إجراءات محددة في الزمان والمكان تجعلنا نطل ولو سريعا على بعض المعطيات الرقمية خلال السنة الفارطة والمخصصة لقطاعي التعليم والصحة باعتبارهما قطاعين حيويين مؤشرين على مستوى نجاعة السياسات العمومية للحكومة الحالية والتي هي مناطة بتوجهات ومضامين الخطاب الملكي كخطة الطريق.

لذلك، سأعمد أولا إلى بسط حقيقة تفقأ العين مفادها أن ميزانية التعليم، الذي يعدّ الرافعة الأساس لكل تقدم تنموي، تشكل من الميزانية العامة 28 في المائة 90 في المائة يذهب إلى الكتلة الأجرية التي تغطي عدد الموظفين 300 ألف.

ولكم أن تقرؤوا معي هذه الأرقام لاستنباط الدلالات والمرامي:

عرفت ميزانيتي التعليم والصحة سنة 2017 انخفاضا، حيث هبطت ميزانية التعليم بـ2,42 في المائة بما مقداره) درهم 44.446.498.000، وانخفضت ميزانية التشغيل بمقدار 0.48 في المائة بمقدار65.105.000 درهم، فيما ارتفعت ميزانية الداخلية بـ+09.22 في المائة والخارجية بـ4.08 في المائة.

أمام هذه المعطيات الصارخة، وأمام ارتفاع الدين الخارجي وانسداد أفق الشغل، واستقرار ميزانية البحث العلمي في 0.8 في المائة من الناتج الداخلي الخام، نتساءل: كيف يمكن أن نقوم بثورة في مجال حساس ومهم ألا وهو قطاع التربية الوطنية والتكوين المهني؟

ولنتجاوز الحديث عن الأرقام وعن التقارير الرسمية التي تصدره المؤسسات العمومية من قبيل المندوبية السامية للتخطيط والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمرصد الوطني للتنمية البشرية أو البنك المركزي (بنك المغرب) لنمضي إلى مساءلة إنجاز الثورة في المنظومة التعليمية فلسفة منهاجا وبرامج وتكوينا، هل ما هو قائم الآن من إصلاحات يمكن أن يرقى إلى ثورة معرفية تم الحسم فيها مع مختلف مكونات المجتمع المغربي في أفق رسم البرنامج الثوري الذي يفترض أن يرسم قطيعة ابستيمولوجية ومضمونية مع الفلسفة والتصورات التربوية القائمة؟

إن الفعل الثوري في البنى الفوقية، ولتسمح لي الماركسية باستخدام هذا المفهوم الذي كدنا ننساه، لا تتغير بقرار إداري إرادوي، وإنما يشتغل عليها التاريخ باشتراطاته الذاتية والموضوعية حتى لا نقع في فخ الاستنبات ومعاودة متاهات التجريب.

مهما دبجنا من خطابات ومهما استعرنا من تجارب جاهزة فإننا لن نخرج من دور المقلد غير المبتكر وإذا، في ظني، أولا، لا بد من الخطوة الأولى والتي تبتدئ بالتحرير، تحرير العقول ولا يمكن أن يتأتى ذلك إلى إذا هيأنا مناخا للحرية حرية التعبير والتفكير المحروسة بالقانون وسيادته، ولا يمكن أن يقوم بذلك سوى الدولة والمجتمع.

وفي هذه الحال ونحن مقبلون على تنزيل النموذج التنموي البديل لا بد أن نفكر في شكل الدولة التي ستستوعبه، دولة المؤسسات وفصل السلط، دولة الحق والقانون، دولة الثروة الموزعة بالعدل، دولة الثورة الخلاقة.

محمد العربي هروشي