في خطوة لا يتوقع الجزائريون أن تكون الأخيرة، أصدر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي هو أيضا وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة (على ما هو معتاد في أغلب البلدان «الجمهورية» العربية)، حركة تغييرات جديدة في المؤسسة العسكرية شملت مسؤولين كبارا في وزارة الدفاع سبقتها قبل أسبوع إقالة قائدي الناحيتين العسكريتين الأولى والثانية.
لحق القائدان العسكريان الكبيران بمسؤولين أمنيين وعسكريين كثيرين سبقوهما، وكان لافتا أن حركة التطهيرات الواسعة بدأت مع اللواء عبد الغني هامل، المدير العام السابق للشرطة، وهو أيضا عسكري وتولى مهام عليا داخل الجيش، وذلك بعد إدلائه بتصريحات كان واضحا أنها توجه اتهامات خطيرة بعد كشف الجيش شحنة هائلة من الكوكايين اتهم فيها «رجل أعمال» جزائريا يدعى كمال شيخي ويلقب بـ«البوشي».
تحف قضية «البوشي» الشهير بالكثير من الألغاز فالسؤال الكبير هو كيف تمكن هذا الشخص من كونه تاجر لحوم ليصبح أحد كبار أغنياء البلاد في مجال بناء العقارات ثم وصول نفوذه، كما تريد التغييرات الواسعة أن تلمح، إلى الطبقة العليا من أصحاب النفوذ العسكري والأمني والقضائي في البلاد، الذين تمت إقالة الكثيرين منهم، واحتجاز آخرين وتوجيه التهم لهم أو لأبنائهم؟
وإذا افترضنا، وبعض الظن إثم، أن نسبة من هؤلاء المتهمين متورطون فعلا بالخلط بين الأمانات العسكرية والأمنية المؤتمنين عليها، فهل تتعلق الاتهامات برشاوى وتسهيلات لصعود هذا «الحوت» المالي، أم أن الأمر أكبر من ذلك؟ وهل يمكن أن تكون تجارة اللحوم والعقارات هي واجهة لشيء أكبر مثلا؟
لا يوجد سبب لدى الجزائريين ومن يريد مصلحة البلاد عموما لعدم الترحيب بمواجهة مؤسسات الرئاسة والجيش والأمن والقضاء ضربة للفساد السياسي وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بنشر المواد المخدرة الخطيرة وبشراء التسهيلات العسكرية والأمنية لجرائم كبرى مثل هذه.
غير أن لغز صعود «البوشي»، وعلاقاته الواسعة مع مسؤولين عسكرية وأمنيين وقضاة وغيرهم، لا يفترض أن يوجه الاتهام إلى هؤلاء المسؤولين فحسب بل يجب أن يفتح قوس السؤال ليتساءل عن آليات النظام السياسي الذي يوفر المجال و«الحاضنة» الطبيعية لاختلاط الفساد المالي بالسياسة.
تفتح هذه الفضيحة أيضا باب السؤال الممض الذي يؤرق النخبة الجزائرية والتي تبايع قواها، الواحدة بعد الأخرى، الرئيس بوتفليقة، لولاية خامسة، فيما تقوم قوى أخرى، من دون اتعاظ بأحوال الشعوب العربية الأخرى، بمناشدة الجيش للانقلاب على النظام السياسي.
مؤسسة الرئاسة، التي يديرها الموالون والمستفيدون من نظام الرئيس بوتفليقة، ترد عملياً على دعاة تدخل الجيش بتطهيرات واسعة استخدمت فيها قضية البوشي كسبب رئيسي، ولكن السؤال يبقى: هل الخلل في الجيش والأمن فحسب أم في كل النظام السياسي؟