بداية حريّ التأكيد، على أن شعبنا الفلسطيني يقاوم ليس بمعزل عن جماهير أمته العربية، التي شارك الآلاف منها في مختلف الثورات الفلسطينية على مدى قرن زمني. كثيرون من أبناء أمتنا استشهدوا على الثرى الفلسطيني من أجل الحفاظ على عروبته. 
الخصوصية الفلسطينية حمّلت شعبنا عبء الكفاح من أجل تحرير وطنه. أتحدّى من يقول، إن الفلسطينيين قصّروا يوما في القتال من أجل الوطن، بدءًا من ثورة القدس 1920، التي توّجت تحّركات نضالية شعّبية ضد الاحتلال البريطاني منذ بدايته، وكانت هناك تحركات وإرهاصات ثورية منذ عام 1918، واستمرت احتجاجا على استقدام اليهود الممنهج إلى فلسطين من أوروبا، في الوقت الذي منع الإنكليز المحتلون عقد المؤتمر الفلسطيني الثّاني في القدس، ما سبب في اندلاع مظاهرات في أنحاء فلسطين واجهها المحتل بالعنف والقمع.
قامت أيضا ثورة يافا عام 1921، احتجاجا على وعد بلفور ودعوة الصحف الصهيونيةّ لترحيل الفلسطينيين إلى الصحّراء العربيةّ واحتجاجاً على التدخلات البريطانية في الشؤون الفلسطينية. في عام 1925 عدلّت سلطات الاحتلال البريطاني في الترّتيبات المقامة عند حائط البراق، وهو الحائط الغربي من سور المسجد الأقصى المبارك المواجه لحارة المغاربة، وبعد احتجاجات الفلسطينيين أعاد المحتل البريطاني الوضع إلى سابقه، ثم تجددت المناوشات حول الحائط مجددا عام 1928، وكان االصهاينة يريدون وضع كراسي وأدوات لهم أمامه ففشلوا. 
ثم في 15 أغسطس/آب 1929 دعت الحركة الصهيونية كافة اليهود إلى التظّاهر في اليوم التالي في القدس هاتفين «الحائط حائطنا»، الأمر الذي أدى إلى ثورة البراق، التي استمرّت فعالياتها قرابة عام. وكان من نتائجها استشهاد 166 فلسطينيا وقتل 133 يهوديا، واعتقل الإنكليز 900 فلسطيني، وأصدر الاحتلال أحكاما بإعدام بعض قادة الثّورة، حيث أعدمت في 17 يونيو/حزيران عام 1930 الشهداء فؤاد حجازي، ومحمد جمجوم، وعطا الزيّر في سجن القلعة في عكّا.
أيضا، بعد الاتضاح الكامل لرؤية العداء الصريح من قبل المحتل البريطاني للفلسطينيين، ورفضه وقف استقدام اليهود إلى فلسطين من مختلف البلدان. 
تبنت اللّجنة التنفيذية العربية الفلسطينية مقررات مؤتمر الشباب الفلسطيني الذي عقد في يافا في شهر مارس/آذار عام 1933 من أن المواجهة والمقاومة لا بد أن تكونا أيضا مع المحتل البريطاني، الذي هو المصدر الأساسي لقدوم الخطر الصهيوني، خرجت مظاهرة في 13 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1933 من المسجد الأقصى على رأسها أعضاء اللّجنة التنّفيذية العربية ورئيسها واصطدمت مع المحتل البريطاني الذي صوبّ نيرانه إلى المشاركين العزلّ، فوقعت إصابات كثيرة بينهم. عمّ الاضراب كافة أنحاء فلسطين وخرجت مظاهرة أخرى بعد صلاة الجمعة في يافا، وفي الوقت نفسه كانت مواجهات ومظاهرة في القدس، وكان القرار أن تقوم المظاهرات في مختلف مدن فلسطين عقب صلوات الجمع، وكانت مظاهرات في الخليل ونابلس وغيرهما، اعتدى عليها البريطانيون بالقمع الوحشي وفتحوا النيران عليها. وفي 15 نوفمبر عام 1935 انطلقت ثورة الشيخ القسام، لكن الطابع العلني للثورة، وقلة الخبرة العسكرية، جعل قوات الاحتلال تحاصر القسام ومجموعة من إخوانه في أحراش يعبد، حيث دارت معركة حامية الوطيس استمرت أربع ساعات استشهد فيها الشيخ ومعه ثلاثة من رفاقه وأسر الباقي، بمن فيهم الجرحى، بعد أن واجهوا العدو ببطولة ورفضوا الاستسلام لمئات المحتلّين وأصابوا العدو بخسائر كبيرة. لقد تم إعلان الإضراب في كلّ فلسطين في 20 أبريل/نيسان 1936 احتجاجا على الاحتلال البريطاني واستقدامه لليهود (وهو الإضراب الأطول في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، حيث استمر إضافة إلى مقاطعة البريطانيين لمد ةّ 178 يوما).
ثم بدأت أعمال المقاومة المسلّحة ضد العدو البريطاني بعملية باب الواد على طريق القدس – يافا، وتوالت بعدها العمليات بعد القمع البريطاني المتزايد، وتتابع هجومات العصابات اليهودية على شعبنا، الذي قاوم عدوين في آن معا: قوات الاحتلال البريطاني والعصابات الإرهابية الصهيونية. دخل متطوعون برئاسة القاوقجي من لبنان وسوريا والعراق للمشاركة في المقاومة. وتوقّف الإضراب الكبير بعد تدخل الملوك والأمراء العرب بإشارة من الإنكليز. وتشكّلت الهيئات المحاربة في مختلف أنحاء فلسطين وكان أبرز المجموعات حركة بقيادة الشهيد القائد عبدالقادر الحسيني.
أعلن البريطانيون الأحكام العرفية، لكن الثورة الفلسطينية استمرت بين الفلاحين والشباب في المدن، وبقي نضال القائد عبد القادر الحسيني قائد جيش الجهاد المقدسّ، وكان الناس يبيعون الغالي عليهم من أملاك لشراء السلاح. واستعرت العمليات الثورية أواخر الأربعينيات، خصوصا في عام 1947، حيث صدر القرار الباطل عن الجمعية العامة للأمم المتحّدة بتقسيم فلسطين إلى كيانين، عربي ويهودي، الذي رفضه الشعب والثّورة.، وكان من أواخر معارك الثّوار قبل تمكّن الاحتلال من فلسطين (معركة القسطل) بجانب القدس دفاعا عن المدينة المقدسّة حيث استبسل المقاومون أمام الدبابات والطائرات والمدافع، إلى أن نفد الرصاص من الثّوار، وكان استشهاد القائد عبد القادر الحسيني في 9 أبريل عام 1948. 
منذ عام 1948 وحتى أواسط الستينيات استمر نضال شعبنا الفلسطيني من خلال المقاومة المسلحة لبعض التجمعات الفلسطينية في الأقطار العربية المحاذية لفلسطين، منها مثلا «شباب الثأر» التابعة لحركة القوميين العرب، وغيرها في أوائل الستينيات، وانطلقت حركة فتح عام 1965. 
وبعد هزيمة حزيران عام 1967 كانت الانطلاقة الرسمية المعاصرة للثورة الفلسطينية، توالت الأحداث (وهي كثيرة) في مجابهة المؤامرات الصهيوأمريكية والغربية عموما، والبعض عربية، من خلال افتعال المعارك مع المقاومة، وتشتيتها من الدول المحاذية لفلسطين، ثم جاءت اتفاقيات أوسلو الكارثية عام 1993 التي مضى على توقيعها ربع قرن، ذلك بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، ومن بعد اتفاقية وادي عربة عام 1994! وصولا إلى وضع الانقسام الحالي الفلسطيني، الذي أعاد المشروع الوطني الفلسطيني عشرات السنين إلى الوراء . كما خروج مصر البلد العربي الأكبر من عملية الصراع مع العدو! ومن ثم بدأت مرحلة عربية جديدة، كان أحد تداعياتها الرديئة، التماهي مع الأساطير والخرافات والأضاليل الصهيونية، وادعاء بعض العرب بالحق اليهودي في فلسطين، بل المناداة بالتحالف مع إسرائيل الصديقة لذبح الفلسطينيين أو تحجيمهم! هذا للأسف ما ينادي به بعض الناطقين بالعربية من الأعراب، «الذين هم أشد كفرا ونفاقا». وبدأت الضغوطات على الفلسطينيين للقبول بـ»صفقة القرن» لتصفية القضية الفلسطينية. 
جاء سنّ «قانون القومية» العنصري الصهيوني ليقطع الطريق نهائيا على كلّ الحلول المطروحة مع إسرائيل: حلّ الدولتين، الدولة الواحدة، والدولة ثنائية القومية، رغم كل هذه الحقائق، وبدلا من أن تقوم الفصائل بترميم الوضع الفلسطيني، تزداد الساحة الفلسطينية تشرذما، بين استمرار المراهنة على نهج المفاوضات كاستراتيجية وحيدة في الصراع، والمراهنة على إمكانية تراجع أمريكا عن قرارها حول القدس، وأنها «عاصمة لإسرائيل»، ومحاولات عقد الهدنة مع المحتلين الصهاينة بوساطة عرّابي التصفية، رغم تداعيات الهدنة على تكريس الفصل بين الضفة الغربية وغزة نهائيا، والسير مباشرة أو بطريق غير مباشر في الاندفاع نحو تنفيذ بنود «صفقة القرن»- رغم النوايا الحسنة لأصحاب التهدئة – واستبدال «السلام السياسي» بـ»السلام الاقتصادي»! من بين الخطوات أيضا: الإصرار على عقد المجلس المركزي الفلسطيني في رام الله، رغم مقاطعة العديد من الفصائل الفلسطينية. هذا الوضع الانقسامي الفلسطيني، إضافة إلى تداعياته السلبية على مشروعنا الوطني، سيسهّل على البعض العربي- المستقيل من عروبته – المضيّ قدما في تمرير صفقة القرن التصفوية، بإشراف أسياده الصهيو أمريكيين. منذ عام 1947 طرح 127 مشروعا تصفويا للقضية الفلسطينية، جرى التركيز على 82 مشروعا منها، وصفقة القرن تشكل المشروع الثالث والثمانين! هذه المشاريع غربية بشكل عام، بريطانية وأمريكية بشكل خاص، ومنها مشاريع صهيونية كثيرة، وأخرى عربية للأسف. 
العامل الحاسم في إسقاط كلّ هذه المشاريع التصفوية كان شعبنا الفلسطيني العظيم ونضالاته الممتدة على مدى قرن زمني، ولذلك، فإن كاتب هذه السطور حاول التركيز بشكل مختصرعلى نضالات جماهيرنا منذ بدء الاحتلال (الانتداب) البريطاني على فلسطين، ومعاركه الكثيرة ضد الاحتلالين البريطاني والصهيوني. شعبنا مثلما استطاع هزيمة كل المشاريع السابقة، سيستطيع وأد مشروع «صفقة القرن» التي لن تمر إلا على جثة آخر فلسطيني، وأقسم، أن شعبنا لها.

د. فايز رشيد