((يخلص الساسة في خدمة الشعب حين ينسون أنفسهم)) طه حسين

أثلج صدري جواب صديقي حامي الدين، حول ما كتبته في تعقيبي على تصريحاته، وهذا ما يؤكد أنه رغم خلافاتنا، فإن الوقت لم يضع، على الأقل سياسيا، فرغبتي كانت وستظل أن يسود في علاقاتنا نوع من الحوار الرصين والمثمر، نسمع الرأي ونقبل بالرأي المخالف، نبدع في بناء الأفكار ونختلف في المواقف، لكن بشكل راق.

فالمتتبعون من القاعدة الشعبية رغم انتقاداتهم لنا كفاعلين سياسيين، ظلوا يرغبون في سماع نقاش راق ومسؤول، وعند غيابه يصدمون بضجيجنا، ليضمروا سخطهم في صمت، و يبنون بيننا وبينهم حائطا من الرفض عبر خلق الكثير من النعوت والأوصاف يتم تصريفها عبر وسائل التواصل.

إن من مسؤوليات السياسي تأطير النقاش العام الذي هو حجر زاوية تأطير المواطنين، ومن مكوناته تأطير الخلاف مع غيره من السياسيين، أما التنابز والسجال المنحرف، أو الصمت الرهيب والفراغ القاتل، فنتيجته هي قتل السياسة وجعل المواطن يهيم في قضايا هامشية، تبتعد عن الأساسي لفائدة ضجيج دون موضوع، فيه الكثير من مضيعة الزمن السياسي، هذا الزمن الذي هو أمانة بين أيدينا جميعا، لاسيما في هذه المرحلة، حيث بلادنا مقبلة على أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة، تفرض علينا أن نتحاور، ونجتهد ونناقش بكل مسؤولية من أجل المساهمة في إخراج بلادنا من وضعها الاقتصادي والسياسي المتأزم.

لذلك، لماذا لا نختار بعض من القضايا الكبرى كالتعليم والصحة والاقتصاد والثقافة والديمقراطية لتكون موضوع نقاش وحوار فيما بيننا، كسياسيين ومثقفين أولا، ثم كأحزاب ثانيا، لعلنا نكون قاطرة ورافعة الحوار السياسي الوطني، فأمامنا موضوع ضخم للتفكير، يهم خلق تصور لبناء نموذج تنموي جديد، وللحظتنا هته فنحن عاجزون عن التفكير فيه، بل عاجزون حتى عن الحوار حوله.

كثيرا ما قرئت تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وغيرها من تقارير مؤسسات الحكامة، وهي تطرح قضايا كبرى، تظل حبرا على ورق أو تتحول إلى كتيبات في الرفوف، فهل نحن شعب لا يقرأ؟ أو على الأصح هل نحن نخبة لا تقرأ ولا تسمع؟ وهل نريد أن نقرر في السياسة دون جهد أو تعب؟ فللسياسة كلفتها الزمنية والمالية، وحتى النفسية والبدنية كذلك.

وبخلاف ما يعتقده الكثيرون، فالشعب يهتم بالسياسة أكثر من السياسيين أنفسهم الذين يهتمون بأنفسهم وبصراعاتهم التي تهدر الزمن السياسي من أجل إلغاء هذا الشخص أو ذاك، أما إذا كانت هناك مواضيع سياسية حقيقية، تهم الحوار الوطني البناء، فإن المواطن يرغب بالمشاركة فيه، فهو لا يجافي طريقة ممارستنا للسياسة إلا حينما نتراشق بالكلمات المشينة أو الأوصاف القدحية الحيوانية التي تستفزه، و حينما نتبادل التهم فإن هذا الشعب لا يولي ظهره لنا فقط، ولكن كذلك يولونا الأدبار، ليتركونا في ضجيجنا السافر بدون معنى ولا دلالة.

صديقي المحترم حامي الدين:

دعنا نتحاور، وحتى دعنا نختلف، فالأمر سيان مادام حول مصلحة الوطن، دعونا نكون جميعا مغاربة متساوون في المسؤولية والولاء للثوابت، فمن العبث أن نبحث عن مقاييس درجة هذا الولاء أو ذلك الانتماء للوطن؟ فلكل مواطن ولكل حزب جزء من المساهمة في بناء هذا الوطن، كل حسب قدرته، ولا فضل لأحد على أحد في الرقي به، أما إذا لم تكن لنا القدرة على القبول بالآخر فحتما سنلغي ذواتنا أولا، لأنها نتيجة لإلغاء الآخر.

فمن خلالكم أدعو الجميع، مثقفين وسياسيين وفاعلين، إلى فتح الحوار الذي توقف منذ 2011 إلى الآن، ربما ندفع هذا البلد في الاتجاه الصحيح، فمستقبله واستقراره وتطوره أمانة فكرية وسياسية بين أيدينا، فعدالة التاريخ لا ترحم، إما أن نكون جيل الفشل لا قدر الله، أو نكون جيل التحديات.

صديقي المحترم:

قد يحتاج هذا كله إلى نوع من الشجاعة السياسية والنزاهة الفكرية، غير أنه ليس مستحيلا إذا استحضرنا أولوية المصلحة، وأينما كانت المصلحة فثم شرع الله واستقرار الوطن، وحينها حتما سيضحي الجميع بالنزعات الشخصية، لأن الذاتيات المفرطة والحسابات الحزبية الفئوية الضيقة أثبتت فشلها، وقضمت كثيرا من توهج الديمقراطية التي هي هدفنا جميعا، قد نكون أخطأنا اتجاهها بالأمس فلا مانع أن نصححها اليوم، بجرأة فكرية ونزاهة أخلاقية، وخير الخطائين التوابون، فهل نقبل على أنفسنا أن ندمر ما بناه غيرنا ونحن عليه من المؤتمنين؟.


 

عبداللطيف وهبي