شكلت الأضحية في مخيال الإنسان اليهودي والمسلم مرجعا دينيا ينص عليه كل من العهد القديم والقرآن الكريم، وهو وسيلة للتقرب إلى الله عز وجل والنيل من رضاه؛ لكن الإشكال الذي يطرح هنا هو أن كل من الديانتين – اليهودية والإسلام- تختلف طقوسهما الدينية وتقاليدهم الاجتماعية نحو تحقيق العهد مع الله؛ أي الوصول إليه والتقرب منه عن طريق قربان الأضحية. ومن جهة أخرى تحقيق التكافل الاجتماعي الذي يدعو إليه كل من الديانتين المدروستين.

فإذا كانت الدراسات التاريخية ودراسات سوسيولوجيا الأديان تؤكد على أن "قدسية الأضحى"، هي: ظاهرة اجتماعية عرفها المجتمع الإنساني منذ الأزل، وبالتالي: تطورت القدسية عبر تطور إطارها الزمني بتطور بنية عقل الإنسان البشري الذي تطورت معه الظاهرة وأضيفت إليها مختلف العبادات والتقاليد والعادات بحسب اختلاف المناطق في الدول الإسلامية وغير الإسلامية التي يوجد فيها المسلمين. فالتاريخ الديني إذن؛ يؤكد على أن قدسية الأضحى ظهرت مع ظهور الإنسان الأول على وجه البسيطة؛ أي منذ قابيل وهابيل عندما قدما قربانين للإله وتقبل من هابيل الذي قدم أحسن القرابين. فمن هذا المنطلق يمكننا طرح الإشكالية التالية:

أين تتجلى قدسية الأضحية في الديانة اليهودية انطلاقا من العهد القديم؟ وإلى أي حد يمكن أن نعتبر قدسية الأضحية في القرآن الكريم هي مثلها في العهد القديم مع اختلاف في الجزئيات؟ وما هي نقط الائتلاف والاختلاف بين الديانتين بخصوص قدسية الأضحى؟!

أولا: قدسية الأضحى في العهد القديم

يحتفل اليهود بتقديم القرابين (الأضاحي) للإله تقربا منه وتعظيما لملكوته في الكون، وهي ظاهرة تتخللها مجموعة من الطقوس الدينية: كالطهارة، الصلاة، الأدعية، وبعض العادات والتقاليد الخاصة باختلاف مذاهبهم الدينية... وتقام بالقرب من هيكل سليمان والموجود تحت المسجد الأقصى حسب زعمهم. ويسمى في اللغة العبرية عيد "روش هشانا" أي عيد رأس السنة العبرية التي تأتي من كل سنة بعد انتهاء شهر أيلول وهو ذكرى بأضحية إسحاق التي تمثل اليوم الذي بشر الملائكة فيه سارة بولادة إسحاق حسب الرواية التوراتية: "خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ." [سفر التكوين، الإصحاح 22، الآية: 2].

ثانيا: قدسية الأضحى في القرآن الكريم

يحتفل المسلمين بعيد الأضحى، وهو أحد العيدين (عيد الفطر والأضحى) ويوافق يوم العاشر ذو الحجة بعد انتهاء وقفة يوم عرفة التي يقف فيها الحجاج لتأدية مناسك الحج الذي يعد الركن الأعظم في الديانة الإسلامية.

ويعتبر عيد الأضحى بحسب المعتقد الإسلامي ذكرى واقعة إبراهيم عليه السلام عندما رأى في المنام أنه يضحي بابنه البكر "إسماعيل" (حسب تفسير ابن كثير) تلبية لأمر الله، ويأتي ذلك استنادا إلى سبب نزول الآية: " وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ(106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ(109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ " [سورة الصفات، الآية: 99- 113].

يتبين مما سبق، أن كلاً من الديانتين السماويتين قد وضحت سبب النزول وكلاهما يتفق على أن الأضحية جاءت نتيجة الرؤيا التي عرفها إبراهيم عليه السلام من ربه تجاه ابنه "إسحاق" في اليهودية و"إسماعيل" في

الإسلام، وبالتالي صَدَّقَ الرُّؤْيَا ولم يكن من العاصين لأمر الله، إذ اعتبر ذلك ابتلاء من الله عز وجل وما اختاره إلا لأن الله يحبه ويختبر درجة إيمانه.

يظهر إذن؛ أن الحدث السردي بين النص القرآني والعهد القديم لم يختلفا من حيث البناء القصصي للحكاية، إذ كل منهما أشار إلى مكان الحدث الذي جسد فعل الأضحية، وهو: الجبل؛ لكن الاختلاف يكمن في كون الديانة اليهودية أنها اعتبرت إسحاق بن إبراهيم هو المعني بالأمر، بينما في الإسلام وبتفسير من العلماء (ابن كثير) اعتبروا أن الأمر هنا مقصود به إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام.

انطلاقا من هذا التحليل الموضوعاتي فإنه يظهر الفرق بين الروايتين اليهودية والإسلامية من حيث تفسير المضمون؛ الشيء الذي يمكن تفسيره بالمنطق هو كون النص التوراتي لم يفسر سبب حدوث فعل الأضحية ولم يفصل فيها كما ورد ذلك في القرآن الكريم الذي ذكر حتى الأحداث التي جاءت أثناء تنفيذ أمر الله عز وجل عندما صعد إبراهيم وابنه البكر إسماعيل إلى الجبل وبعد الحدث "نزول الكبش من السماء"، مما يجعلنا نطرح مجموعة من الأسئلة نحو النص التوراتي الموساوي...؟!



يونس بلحسن