بتوقيعهما الأحد على اتفاق جديد لتقاسم السلطة في جنوب السودان، تبدأ المحاولة الثالثة بين رئيس البلاد سلفا كير ونائبه رياك ماشار لإرساء السلام وإنهاء دورة العنف في هذه الدولة الفتية التي لا يتجاوز عمرها سبع سنوات.

وعمّت الاحتفالات جوبا وصولا إلى مخيمات إيواء اللاجئين الذين هجّرتهم حرب دامت خمس سنوات بعد أن وقع الخصمان وأطراف معارضة أخرى الأحد اتفاقا نهائيا لتقاسم السلطة بوساطة قادتها الخرطوم.

ويقول مراقبون إن الطريق لا يزال طويلا ومليئا بالعقبات بين التوقيع وتطبيق اتفاق السلام النهائي الذي يجب أن يبدأ بعودة زعيم التمرد رياك مشار إلى جوبا من منفاه لتولي منصب نائب الرئيس مرة جديدة.

وقال دبلوماسي مقيم في جوبا مشترطا عدم كشف هويته "سيكون الأمر صعبا حقا لأن الرئيس كير أعرب بكل وضوح في الاجتماعات عن عدم رغبته بالعمل مع مشار".

وتابع الدبلوماسي "لقد أُجبر حقا على القبول بالاتفاق مجددا".

انعدام الثقة

كير ومشار متمردان سابقان ارتقيا في مراكز السلطة خلال حرب أهلية بين شمال وجنوب السودان استمرت من 1983 إلى 2005. وقد تخلل النزاع قتال بين الرجلين قبل استقلال جنوب السودان في 2011.

وفي جنوب السودان مجموعتان عرقيتان كبيرتان: الدينكا التي ينتمي إليها كير، والنوير التي ينتمي إليها مشار.

وسقطت أول حكومة تعايش بين الطرفين في جنوب السودان عام 2013 بعد اتهام الرئيس كير لنائبه مشار بالتخطيط لانقلاب ضده، ما أشعل فتيل حرب بينهما على خلفية عرقية.

ودفع اتفاق سلام تم التوصل إليه، بالرجلين إلى التركيبة الحكومية نفسها في 2016. لكن بعد أشهر فقط من عودة مشار إلى منصبه تجددت المعارك في جوبا وأجبر مشار على التوجه مع مناصريه سيرا إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وقال الباحث في شؤون منطقة القرن الإفريقي لدى مركز "تشاتام هاوس" أحمد سليمان "لا أعلم كيف يمكن، مع هذا القدر من العنف، أن يثقا ببعضهما البعض وأن يشكلا حكومة فاعلة".

وكانت الجولة الثانية من المعارك أعنف وأشد تعقيدا مع دخول مجموعات متمردة جديدة في النزاع وتزايد أعمال العنف وسفك الدماء والمجاعة والتهجير.

وقادت مفاوضات السلام الأخيرة أوغندا والسودان الذي يشهد أزمة اقتصادية ويسعى لاستئناف ضخ النفط إلى أراضيه من جنوب السودان الذي يشهد اقتصاده انهيارا، وهو بأمس الحاجة على غرار الشمال لإيرادات.

ويشكل تقاسم الثروة النفطية إحدى النقاط الشائكة في اتفاق السلام الذي ينص على أن يتعاون جنوب السودان مع السودان على إعادة تأهيل حقول نفط في ولاية الوحدة بهدف إعادة مستوى الإنتاج إلى سابق عهده.

وقال براين أبيدا من المجموعة الحقوقية "إيناف بروجكت" التي تراقب عن كثب النزاع في جنوب السودان "هل ستستخدم الحكومة هذه الأموال للهدف المحدد أم أنها ستعود إلى أساليبها القديمة حيث تستفيد قلة من الثروات ويهربون بها".

حصة من الفطيرة

وحجز تشعّب النزاع مقاعد لمزيد من الجماعات المتمردة على طاولة المفاوضات، ما أسفر عن حكومة وحدة مع خمس نواب للرئيس وحكومة انتقالية من 35 وزيرا وبرلمان يضم 550 نائبا.

وقال سليمان "لنكن صريحين، إنها حكومة موسعة، إنها محاولة لإعطاء الجميع حصة، قطعة من الكعكة. لا أعتقد أن ذلك يبشر بالخير لحكومة انتقالية".

في الأثناء، لم يتضح بعد ما إذا كان فصيل مشار سيقبل الاتفاق الذي وقعه زعيمه، كما أن جماعات متمردة أخرى، كتلك التي يقودها القائد السابق للجيش بول مالونغ، بقيت خارج الاتفاق.

وأكد كير أن الاتفاق "لن ينهار" لكنه أبدى تذمرا من الحكومة الفضفاضة مشككا في إيجاد التمويل اللازم لها.

وقال كير هذا الأسبوع "إنهم بحاجة لحماية، ولسيارات، ولمنازل... خمسة نواب للرئيس مسؤولية كبيرة".

انحسار المعارك

يتعين على الأطراف المتحاربة حاليا التوصل إلى اتفاق سلام، وأمامهم مهلة ثلاثة أشهر لتشكيل حكومة انتقالية ستتولى السلطة لثلاث سنوات.

وفي حين تدور تساؤلات كثيرة حول توحيد الجنود، وتأمين عودة مشار وتفاصيل إدارة الحكم والمصالحة، يقول محللون إن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في 27 تموز/يوليو أدى إلى انحسار أعمال العنف على الرغم من بعض الخروقات.

وقال الدبلوماسي في جوبا "لقد شهدنا انحسارا كبيرا للمعارك. لا يزال هناك مناوشات بعيدة كل البعد عن الحدة التي كانت تسجل سابقا".

وتابع "توقف القتال يعني أنه بإمكان الناس العاديين أن يستعيدوا حياتهم كما يمكننا أن نبدأ بحل هذه الأزمة الإنسانية الكبرى".