تم اليوم الأحد بالخرطوم، التوقيع على اتفاق سلام نهائي بين الفرقاء السياسيين بجنوب السودان، ليطوي بذلك صفحة من الاقتتال والمعاناة الإنسانية والاقتصادية، التي غرق فيها هذا البلد الإفريقي منذ سنوات.

ويأتي التوقيع على هذا الاتفاق، الذي توج بوساطة سودانية، بناء على تفويض من قمة الإيغاد (الهيئة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا) الاستثنائية في الحادي والعشرين من يونيو الماضي، بعدما تم اكتمال الاستعدادات والترتيبات، التي بدأت بتوقيع الفرقاء الجنوبيين (الحكومة وفصائل المعارضة) على إعلان الخرطوم في 27 يونيو الماضي، وبعده اتفاق الترتيبات الأمنية في 6 يوليوز الماضي، ثم التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق تقاسم السلطة في 25 من نفس الشهر.

وكانت العاصمة السودانية الخرطوم، قد شهدت في 28 يونيو الماضي، انطلاق مباحثات الترتيبات الأمنية، غداة توقيع رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، ونائبه الأسبق زعيم المعارضة المسلحة ريك مشار، اتفاقا بوقف إطلاق النار، الذي جاء تتويجا لوساطة "إيغاد"، وحضور الرئيسين، السوداني عمر البشير، والأوغندي يوري موسفيني.

ولقي هذا الاتفاق ترحيبا من لدن الأمم المتحدة التي أعربت عن أملها في أن يؤدي إلى التوصل إلى اتفاق سلام "شامل وقابل للتنفيذ" لإنهاء سنوات من الصراع في البلاد، مع التلويح بفرض عقوبات على طرفي النزاع في حال عدم التوصل إلى اتفاق سياسي قابل للاستمرار.

ولوضع حد لأزمة الجنوب السوداني، وقعت الحكومة والمعارضة المسلحة الموالية لريك مشار، في 25 يوليوز الماضي بالخرطوم، اتفاقا لتقاسم السلطة، وسط تحفظ مجموعات معارضة أخرى، من بينها جبهة "الخلاص الوطني" بقيادة الجنرال "توماس شريلو"، التي كانت أعلنت رفضها التوقيع النهائي على الاتفاق.

وينص الاتفاق، وفقا لتقارير إعلامية، على تولي الرئيس سلفا كير ميارديت رئاسة الحكومة خلال الفترة الانتقالية، بينما يتولى رياك مشار منصب النائب الأول، فضلا عن الاتفاق على أربعة نواب آخرين للرئيس تتقاسمهم القوى السياسية المختلفة.

وأشارت ذات المصادر، إلى أن الأطراف المتفاوضة لم تتوصل إلى اتفاق بخصوص تقاسم السلطة على مستوى الولايات والحكم المحلي، مضيفة أنه تم إنشاء مفوضية لهذا الغرض تعمل خلال ثلاثة أشهر وإذا فشلت يحال الأمر إلى استفتاء .

وقد فشلت الجهود السابقة لإنهاء القتال بين القوات المتناحرة منذ عام 2013 في جنوب السودان، كما انهار اتفاق السلام لعام 2015 الذي لم يصمد سوى لأشهر قبل أن يتجدد القتال في يوليوز 2016، مما أجبر زعيم متمردي المعارضة ماشار على الفرار من جوبا عاصمة جنوب السودان.

وشهد مسلسل التفاوض بين الجنوبيين، تعثرا وتوقفا في عدة محطات، حيث أعلنت (إيغاد) في 18 أبريل الماضي، وقبل بدء أولى اجتماعاتها التشاورية بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا مع ممثلين عن منظمات المجتمع المدني ومجموعات المعارضة في جنوب السودان، عن تأجيل جولة كان من المقرر أن تعقد في 26 من نفس الشهر لإجراء مباحثات إحياء السلام بين طرفي النزاع.

وحسب المهتمين بالشأن السوداني، فإن هذا التأجيل يرمي لمنح وساطة (إيغاد) وقتا إضافيا لإجراء المزيد من المشاورات مع بقية المجموعات المشاركة في عملية إحياء اتفاق السلام، بغية التوصل لصيغة مرضية من التوافق بينها قبيل توقيع اتفاق نهائي لوقف الحرب بالبلاد.

وقبل ذلك، وقعت حكومة جنوب السودان وجماعات متمردة، في 21 دجنبر 2017، على اتفاق في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في محاولة لإنهاء الحرب الأهلية التي تدور رحاها منذ أعوام بين الحكومة والمعارضة، وهو الاتفاق الذي ينص على وقف لإطلاق النار اعتبارا من 24 من نفس الشهر، بعد محادثات سلام عقدتها هيئة (إيغاد) في أديس أبابا.

وفي مبادرة فردية، أعلن رئيس جنوب السودان سلفا كير، في 22 ماي 2017، عن وقف لإطلاق النار من جانب واحد وتعهد بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، فيما عبر محللون في جنوب السودان عن شكوكهم حيال إمكانية أن يؤدي إعلان كير إلى سلام طويل الأمد.

وبدأت الحرب الأهلية في جنوب السودان، الدولة المنتجة للنفط، بعد عامين من حصولها على الاستقلال من السودان، عندما أقال الرئيس سلفا كير نائبه في 2013، متهما إياه بالتخطيط لانقلاب ضده، مما أدى إلى موجة من الاقتتال وتقسيم البلاد على أساس عرقي وارتفاع التضخم بشدة وانتشار المجاعة في بعض مناطق البلاد، ما أثار أكبر أزمة لاجئين في إفريقيا منذ الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، بحسب المحللين.

ومنذ ذلك الحين، وجنوب السودان يعاني من حرب أهلية بين الحكومة وحركات معارضة، أبرزها الموالية لـ"مشار"، وخلفت نحو 10 آلاف قتيل، وشردت مئات آلاف المدنيين، ولم يفلح اتفاق السلام الذي أبرم في غشت 2015 في إنهائها.

ويرى مراقبون أن حل أزمة جنوب السودان، من خلال التوافق على تقاسم السلطة، واستتباب الأمن، وقضايا الحكم، من شأنه أن ينهي حالة الصراع ويحل المسائل العالقة، ويحقق السلام والاستقرار، ويتيح المجال للتركيز على جهود التنمية لصالح شعب السودان الجنوبي.