زرت اليوم حي القدس بأكادير الذي اتخذ المجلس الجماعي للمدينة قبل يومين قرار تغيير حوالي 40 إسم من شوارعه وأزقته وتسميتها بأسماء مستوردة من دولة فلسطين، وهذه نتائج معاينتي كمواطن غيور على مدينته وهويتها المجالية ووضعها الاقتصادي والثقافي والبيئي:

جلت جل جوانب هذا الحي الذي يعود بناؤه إلى تسعينيات القرن الماضي وحمل تسمية القدس مند ذلك التاريخ، واتضح لي أن كل شوارعه وأزقته تحمل أسماء ولوحات معدة بعناية باللغتين العربية والفرنسية من طرف المجلس الجماعي السابق ومنها: أسماء الشوارع: غاندي، فرحات حشاد، تيتو، أسماء الأزقة: درعة، تنسيفت، إسن، إسلي، تلضي، الإمام الشافعي...

من خلال هذه الأسماء يتضح نوع من التنوع الذي جمع بين أسماء أعلام بشرية وجغرافية بما فيها المحلية والأمازيغية، ليبقى السؤال المطروح ما الدافع الموضوعي الذي يجعل جمعية مثلا، ومجلس جماعي المدينة ككل، يقدمان على اقتراح واتخاذ قرار تغيير هذه الأسماء وتعويضها بـأربعين إسما مستوردا من دولة فلسطين العربية؟

فالمبادرات الإيجابية والتفكير الصائب تقتضي تعزيز هوية المدينة الترابية وإضافة أسماء أعلام محلية ووطنية، بل أكثر من ذلك التحلي بحس التدبير الديمقراطي واتخاذ المبادرة المنتظرة بكتابة أسماء الأماكن والأزقة باللغة الأمازيغية وحرفها تفيناغ أيضا، التي صارت لغة رسيمية مند دستور 2011 بدل تعريبها كليا واستبدالها بأسماء غريبة عن الفضاء والمجال الثقافي للمدينة والجهة ولغتها الأمازيغية الأكثر انتشارا وتداولا، الشيء الذي لا يمكن اعتباره سوى نتيجة لخيار الاستبداد والتعسف الإيديولوجي على الحي والمدينة وقاطنيها.

يتضح من خلال جولتنا والصور الملتقطة أن هذا الحي يعتبر من أكثر أحياء المدينة تهميشا من حي البنيات والتنظيم العمراني وانتشار الأزبال، حيث لا حظنا كيف تحولت حديقة الأطفال الصغيرة المتواجدة بالحي إلى مرتع لرمي الأزبال بعد أن ذبلت أشجارها ونباتاتها بسبب الإهمال وعدم العناية، كما لا حظنا غياب التنظيف وتراكم الأزبال بجانب الوادي الذي يخترق الحي، وفي الأمكنة المجاورة والمقابلة من جهة طريق مراكش الذي يحده، خاصة أن الحي يتواجد قريبا من مطرح الأزبال البلدي الذي يضر بالمحيط البيئي للحي والمدينة ككل ويسئ إلى مجالها العمراني وتدبيرها الجماعي وقاطنيها وسمعتها الثقافية والسياحية.

فكان الأحرى بجمعيات الحي التي يبدو أنها من حركة التوحيد والإصلاح، وممثليه المنتخبين والمجلس الجماعي لمدينة أكادير المبادرة بحمل المكنسات والقيام بحملة لتنظيف الحي وسقي الأشجار والنباتات الذابلة، ووضع تصور وبرنامج لإعادة هيكلة الحي والعديد من أحياء المدينة وإحياء الحدائق والمناطق الخضراء التي تزداد تصحرا يوما بعد يوم، والتفكير الصعب في برنامج تنموي لانتشال المدينة والأحياء من الركوض الاقتصادي والثقافي وزحف التصحر البيئي والثقافي الذي تعاني منه، وإيجاد حل ومشروع عصري ومتطور لمطرح النفايات، والميزانية والدعم والشركاء الضروريين لذلك، بدل الركون للعجز والاستسلام للأوهام الإيديولوجية التي غالبا ما تطفو إلى السطح عندما يعجز أو يفشل السياسيين في تدبير شؤون الناس وانتظاراتهم الفعلية.

فهل من عقلاء لإيقاف هذا التعسف الإيديولوجي على هوية حي ومدينة وساكنتها؟

 

رشيد الحاحي