عادة لما تذكر حركة التوحيد والإصلاح في محطاتها الانتخابية، أو بمناسبة إصدار بلاغ لها أو بيان تعبيرا منها عن موقف من مواقفها حيال بعض القضايا والأحداث، إلا ويُردف ذكرها بأنها الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، والأمر نفسه بالنسبة للحزب، الذي يذكر أنه الذراع السياسي للحركة أو الجناح لا مشاحة في الأسماء باعتباره تخصصا من تخصصاتها كما هو في أدبياتها أيضا.

وكثيرا ما تختلط الأمور على أي متتبع فيستفهم عن الحركة والحزب من ذراع من؟.. هل الحركة هي الأصل والحزب فرع لها، أم الحزب هو الأصل والحركة فرع له؟. يزيد الأمر تعقيدا التداخل الكبير بين الهيئتين، لما تجد قياديين بارزين يضعون رجلا في مكتب الحركة التنفيذي ورجلا في أمانة الحزب العامة، ما يخول لهم التحكم في قرارات الهيئتين معا، وكأنهما أصيبتا بالعقم ولم يعد بإمكانهما إنجاب غيرهم، كما يعلق أكثر من متتبع.

هذا دون الحديث عن أن عددا كبيرا من أعضاء المجلس الوطني للحزب هم أيضا أعضاء بمجلس شورى الحركة، برلمانها الرئيس.

ثمة ملاحظات عديدة تطرح بشأن هذا الخلطة الفريدة بين حزب سياسي وحركة دعوية، نورد بعضها كالتالي:

بداية لا يسعنا إلا أن نحترم اختيار الهيئتين بخصوص هذا الخلط المستعصي على الفهم بين ما هو سياسي صرف وبين ما هو دعوي خالص؛ لكن ألم يحن الوقت بعد مرور كل هذه السنوات على هذه الشراكة لفتح نقاش معمق بشأنها للوقوف على سلبياتها وإيجابياتها؟ ولم لا يكون النقاش على الهواء مباشرة لتكون مناسبة لرفع اللبس عن هذا

الأمر الغريب بين ما هو سياسي من خصائصه التحول والتغير وبين ما هو دعوي يتميز بالثبوت والقطعية، وإن كان من تحول ففي الوسائل وليس في المقاصد والغايات.

إلى أي حد يخدم هذا الوضع الحزب سياسيا ويخدم الحركة دعويا؟ أم الغاية تبرر الوسيلة، بما أنه في كل محطة انتخابية تتجند الحركة للحملة الانتخابية بقضها وقضيضها، وتجمد كل أنشطتها، وتستنهض كل طاقاتها في إطار ما يعرف بـ"واجب الوقت" للدعاية للحزب؟. وبالمقابل يتساءل البعض ما الذي تجنيه الحركة مقابل تخندقها الكلي مع حزب واحد، ما يجعلها وجها لوجه ضد بقية الفرقاء السياسيين والنقابيين ومجموعة من هيئات المجتمع المدني؟ فما الذي يضيرها إن تراجعت خطوة إلى الوراء، لتعيد النظر في مسارها بما أنها جمعية دعوية إصلاحية لتكون حركة لكل من ترى فيه الصلاح؟ أليس شعارها هو الآية الكريمة "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت"؟ أم الصلاح جمع تلابيبه وحط رحاله في صوان هذا الحزب لوحده دون غيره من الأحزاب؟.

أجل يتساءل عدد من نشطاء الحركة، على قلتهم، عن المقابل الذي تستفيده الحركة من الحزب، أكثر من فقدها أي تعاطف من بقية الفرقاء، وماذا أيضا أكثر من فقدها للعديد من كوادرها، قفزوا من مركبها ليلتحقوا بسفينة الحزب المغرية بما أنها أصبحت وسيلة للمناصب، والعلاقات، والترقي الاجتماعي لهم ولذويهم، بدل "الدروشة والمسكنة" التي تطبع الحركة التي تشكو مقراتها اليوم من الهجران والسكون إلا من أنشطة بسيطة لا تهش ولا تنش، مقارنة بمقرات الحزب الإقليمية أو الجهوية أو الوطنية أو جمعياته النسائية أو الشبيبية أو الطفولية العاجة بالحركة والحيوية؟.

ألم يكن الأولى بالحركة باعتبارها جمعية دعوية ثقافية، وانسجاما مع شعارها المعروف والمبثوث في أوراقها، والذي يتردد على لسان كل مسؤوليها، "التعاون مع الغير على الخير"، أن تتخذ مسافة واحدة من كل الفرقاء السياسيين، ومن ثم دعم كل من تراه صالحا بغض النظر عن لونه السياسي أو أصله وفصله وعرقه وحتى ديانته، بدل الاصطفاف مع حزب واحد، والأدهى توقيع شراكة إستراتيجية معه تلزمها الالتزام بأجنداته العامة والخاصة، ما يفرض عليها منطقيا تحمل مسؤولية كل سياساته واختياراته؟.

هل سياستنا بالوطن العربي عموما والمغربي خصوصا تتحمل هذا النوع من الخلط بين السياسة والدعوة، أم الأولى الميز بينهما على اعتبار أن السياسة من مهامها تولي تسيير الشأن اليومي بمتغيراته المستمرة وتدبير الشأن العام بعلاقاته المتشعبة، يتداخل فيها ما هو وطني بما هو إقليمي ودولي، يفرض كثيرا من التوافقات والتنازلات بناء على حسابات الربح والخسارة؛ بينما الحركة الدعوية مجالها الإسهام في الإصلاح بجانب الجهات المهتمة بالمجال رسمية كانت أو غير رسمية، والحرص على هداية الناس، وتصحيح عقائدهم وتهذيب سلوكاتهم بالتي هي أحسن وبالموعظة الحسنة، بعيدا عن أي تشنج كيفما كان نوعه؟..المفروض فيها أن تسمو على كل الصراعات الفئوية ويكون سقف طموحها استيعاب كل أطياف المجتمع، والحرص على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع الجميع، بما أن الهدف هو الإصلاح؛ لكن والأمر غير ذلك بوضع بيضها كله في سلة حزب واحد، فقد افتقدت هذا الامتياز، وفتحت عليها أبواب النقد من كل الجهات، وتسبب لها في عداوات كانت في غنى عنها، لو أنها بقيت على الحياد والتزمت بالتجرد من أي تخندق.

وفي الأخير أشير إلى أن ما تم قوله بخصوص هذه الحركة وهذا الحزب يمكن قوله عن جماعة العدل والإحسان بقطاعاتها النسائية والشبابية والطفولية، وبدوائرها السياسية والنقابية، في تلاحم تام يصعب تمييز ملامح بعضها عن بعض، بما أن الكل تحت رحمة مجلس الإرشاد؛ ما يجعل (المقدس والمدنس) في خانة واحدة. خلطة هي أقرب إلى نظام المراجع العليا وولاية الفقيه يصعب الحديث فيها عن قيمة الديمقراطية أساس أي عملية سياسية.

 

بوسلهام عميمر