ليلة البارحة، من ليالي صيفنا الباردة، كنت أتحدث مع واحد من قبائلنا العربية بالصوت والصورة في هاتفي الحامل لكل برامج التنصت الغبية منها والذكية. تبادلنا التحايا والسلام كما العادة بجمل لا تعني شيئا لأننا، أنا وهو، نكرر استفسارات وأجوبة لا تعكس حقيقة واقعنا لا من قريب ولا من بعيد، وإنما نردد ما يقوله عموم أبناء قبائلنا، وقد يحلفون، حينما يستدرجون أمانيهم وآمالهم ويقدمونها، ربما من باب التسلِّي أو التكثم، على أنها حقائق وأحوالا يعيشونها بالفعل!

المثير في هذه المرة هو أن صاحبي لم يتمالك نفسه ربما تحت تأثير ضغط الأحداث التي تناقلتها القنوات الفضائية المتخصصة، وما تقاسمته الشاشات الشخصية من تعاليق المختبرات المجتمعية للهوات، بل وحتى ما تبادلته الألسن مما يجري في الدول المحيطة بقبائلنا العربية. فباغثني على غير عادته، وبدون تحفظ أو استحضار التنصت على الهواتف، فقال لي بصوت ممزوج بالغضب، وكأنه يبني على حديث سابق، قال: في ماليزيا عاد محمد مهاتير إلى الحكم مرحبا به شعبيا في انتخابات نزيهة، بعد أن غادر السلطة طواعية في بلاده التي سبق له أن قاد فيها لسنين عملية الانتقال الاقتصادي المتميز، عاد ليس حبا في السلطة وإنما من أجل محاربة الفساد الذي استشرى في البلاد من بعده. وهكذا ومن يومه الأول أصدر لائحة أسماء الممنوعين من مغادرة التراب الوطني وأمر بفتح تحقيقات قضائية ضدهم في قضايا مرتبطة بالفساد وتهريب الأموال إلى الخارج وهم من هم: رئيس الوزراء السابق وزوجته مع تفتيش منازل أفراد الأسرة، وزراء، قضاة، كبير موظفي وزارة المالية، مسؤولين أمنيين،... فصادرت السلطات حينها الملايير والمجوهرات وغيرها كانت معدة للتهريب.

قلت: مهلا ياصاحبي ف...

قاطعني وقال: ...ثم ألغى ضريبة السلع والخدمات،وأعلن عن تأسيس حركة مكافحة الفساد. هل أزيدك؟ ووعد بالعمل على استرداد مليارات الدولارات تم تحويلها إلى الولايات المتحدة وسويسرا ودول أخرى، وهذا فقط خلال العشرة أيام الأولى!

قلت كفى ياصاحبي تلك نسخة ماليزية فريدة.

ثم استرسل قائلا ـ وكأني به ليس ذلك الذي كنت أعرف ـ لا والله إن هناك نموذجا آخر ينسينا ماليزيا وما يجري فيها.

فقاطعته مازحا لعلي أهدئ من روعه: متى أصبحت محللا سياسيا يا ابن القبيلة؟

قال: منذ زمان، منذ زمان، إنما...

قلت: إنما ماذا؟

فلم يعبأ بسؤالي واستمر قائلا: تركيا لم تكن شيئا مذكورا، فأصبحت في المرتبة 16 في ترتيب الاقتصاديات على مستوى العالم بعد أن كانت تصنف 126 ! وهذا خلال مدة لا تتجاوز 15 سنة. وفي 2023 ينتظر أن تصبح ضمن العشرة الأوائل من دول العالم.

الدخل الفردي تضاعف أكثر من ثلاث مرات عما كان عليه من قبل، البطالة انخفضت من 38 إلى 2 في المائة.

التعليم تخصص له أول ميزانية قطاعية في البلاد، عدد الجامعات مرَّ من 76 إلى 220 وعدد مهم منها مصنفة في مراتب جيدة عالميا.

أما الصحة فقد تضاعف عدد الوحدات الصحية وكذلك عدد الأطر، بل وبنيت 8 مدن طبية بأحدث أنواع التكنلوجيا في المعدات والبناء، وخدماتها تضاهي تلك التي في الفنادق! المواطن تتوفر له العناية الطبية بالمجان، وأن المستشفى يتحمل كافة الأدوية لكل مريض احتجزه من أجل العلاج. وفيما يتعلق بالأدوية فقد تم تخفيض أسعارها بمقدار 80°°. وفي المناطق الريفية استحدث...

قلت مقاطعا: هوِّن عليك ياهذا! العالم كله يعرف ما تقول وأكثر: البٌنى التحتية العملاقة، الصناعات المتنوعة، النقل، الإعلام، الفن، الحريات السياسية، المكانة الإقليمية والدولية،...

قال وكأنه لم يشف غليله بعد: وأجمل ما في الأمر أن الرئيس رجب طيب أردوغان الذي هو سر هذا الازدهار ومفتاحه وراعيه، لم يلتصق بالكرسي بإرادته معلنا نفسه سيدا، وإنما يعمل بكل تفان ويتقدم بين يدي شعبه كباقي مواطنيه من شتى الألوان السياسية، في انتخابات متكررة ديمقراطية بامتياز شهد بها العدو قبل الصديق. ويتقدم بصفته خادما لشعبه!. ومنذ سنة 2002 والشعب التركي دائما يجدد انتخابه بل ويرقيه، كان آخرها انتخابات 24 يونيو 2018 ، الأولى في ظل النظام الرئاسي بدل النظام البرلماني، وما عرفته من نتائج حاسمة سواء الرئاسية منها أو البرلمانية . هذا بالرغم من الكيد المتواصل ضده إقليميا ودوليا!.

قلت: ما أروعه وما أروع شعبه! وأضفت: يا صاحبي هب أن حكام العرب تقدموا هم كذلك إلى شعوبهم في انتخابات تٌشْرف عليها لجان عليا وأخرى محلية محايدة كما هو الشأن في ماليزيا وتركيا، فما عساها تكون النتائج ياترى؟

ألو، ألو، ألو، أتسمعني؟ معذرة، انقطع الخط!.



الحسن العزاوي