ما الذي يؤثر في الحدث السياسي؟ أو بالأحرى، كيف ينشأ الحدث السياسي ويتحول إلى حقيقة تاريخية؟ في الحقيقة لا نرمي إلى نقاش الأحداث السياسية ضمن هذه الأسطر كتحقق فعلي على متن صفحات التاريخ، بقدر ما نرمي في هذا الصدد التطرق إلى الآليات المتحكمة في الأحداث السياسية التي عرفها ولازال وطننا الحبيب يعرفها. إننا هنا أمام علاقة المجتمع بالسلطة السياسية، علاقة الجماعة بالمواقف السياسية النابعة من السلطة الحاكمة، نظر الفرد الواحد إلى المخططات السياسية ومآلاتها...، كل هذا يؤثر بشكل أو بآخر في الحدث السياسي الذي يعرف ثلاثة مسارات؛ أولها الاصطدام مع السلطة السياسية بشكل مباشر، ثانيها الانصياع والخضوع المطلق لكل القرارات التي تأتي بها السلطة السياسية، ثالثها اللاموقف من كل الأحداث السياسية، هذا إذا صرفنا الطرف عن مسألة اللاموقف موقف في حد ذاته.

ومن أجل أن نقف عند بعض القضايا التي أشرنا إليها سلفا؛ حبذا أن نتطرق إلى قضية الطلبة والسياسية؛ شريحة من المجتمع تدعي أنها الطبقة المثقفة، ما هو دورها في حدوث الأحداث السياسية؟ ما موقف الطلبة تجاه كل متغير سياسي وطني وعالمي؟ وإذا سافرنا أبعد من ذلك، فهل للطلبة دور حاسم في تغير مجرى الأحداث السياسية؟

موضوع الطلبة المغاربة والسياسة، هو موضوع سنعرج عليه من باب تلك المنظمة الطلابية التي ما فتئت تتفاعل مع الأحداث السياسية الوطنية والعالمية منذ تأسيسها. هذه المنظمة الطلابية كانت تعتبر في أوليتها قطاعا موازيا لبعض الأحزاب الوطنية، وقد كانت تابعة لحزب الاستقلال منذ سنة تأسيسها سنة 1956 و1958م، وفي هذه السنة الأخير قامت مجموعة من القيادات التاريخية لحزب الاستقلال بالانفصال عن الحزب الأم وإنشاء حزب جديد يتماشى ورؤى هؤلاء المناضلون، وهذا الحزب هو حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والذي سرعان ما خطف (أوطم) من حضن حزب الاستقلال أبيِّه التاريخي. ارتبط الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى حدود سنة 1968م وقد تبنى المواقف الذي تبناها هذا الحزب، والتي كانت في مجملها معادية للنظام القائم، وفي سنة 1962م وضع النظام الحاكم أول دستور مغربي، وبادر بالاستفتاء عليه في 7

دجنبر من نفس السنة، هذا وقد عارض حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية هذا الدستور ونادى إلى مقاطعته، وكذا تفاعل الطلبة مع هذا الإعلان وقاموا بمقاطعة الدستور مما نجم عن ذلك تحرك الآلات القمعية واعتقال قيادة الحزب بأكملها حيث اعتقل ما يناهز 4000 مناضل، ليتم تجنيد الطلبة من أجل الدفاع عن المعتقلين وكذا ناضلوا من أجل إطلاق صراح رفاقهم.

وكما لا يخفا علينا، فقضية الاتحاد الوطني للطلبة المغرب المركزية هي قضية إصلاح التعليم، وقد ساهم الطلبة في مجموعة من المناظرات التي تهم مسألة إصلاح التعليم، منها على سبيل المثال مناظرة المعمورة وما تلاها من إصلاحات ومن اعوجاج أحيانا، وهذا أدى إلى انطلاق أحداث الدار البيضاء سنة 1963م، أو ما يعرف في أدبيات (أوطم) بانتفاضة 23 مارس، حيث إن التلاميذ واجهوا مجموعة من القرارات التي أنزلها النظام الحاكم والتي تمس بمكتسباتهم التاريخية وحقهم في التعليم، ليلتحق إليهم الطلبة وبعد ذلك الجماهير الشعبية وأسفرت عن معتقلين ومختطفين وشهداء..

في سنة 1968م آن لـ (أوطم) أن تستقل عن التنظيم الحزبي ككيان طلابي له مشروع سياسي، تيار ماركسي آمن أن (أوطم) بإمكانه أن يكون رأس رمح في مواجهة النظام، وهذا يتماشى مع الثورة الطلابية الفرنسية التي أثرت في (أوطم) بشكل ملحوظ، وهذا التأثر بهذه الثورة من طرف الطلاب المغاربة راجع إلى كون نسبة الطلبة المقيمين في فرنسا آنذاك تفوق نسبة الطلبة المقيمين في المغرب، ومنه فقد اعتقد بعض الطلبة اليساريين أن الرهان على الطلبة المغاربة قوي التحقق كقوة للتغيير، وهذا ما دفع الطلبة يؤمنون بضرورة إصلاح المناهج والمقررات الدراسية دون انتظار النظام أن يفعل ذلك، وهذه المرحلة التاريخية أفرزت لنا رواد الأدب المغربي المعاصر، بحيث إن الثورة الطلابية في هذه الفترة أشبه بثورة ثقافية.

وفي نفس السنة عقد المؤتمر الوطني الثاني عشر، حيث تفاعل الطلبة مع الأحداث السياسية العالمية، منها القضية الفلسطينية التي اعتبروها قضية وطنية، وقد نظمت في تلك الفترة جملة من المظاهرات من طرف الطلبة تارة تندد وتارة تستنكر حجم الاستهدافات التي تطال الشعوب المضطهدة على رأسها الشعب المغربي.

وبين سنة 1969 و1971م عبرت القوى الماركسية المغربية عن نفسها، من خلال ما يسمى بـ: الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين، وقد اتخذت مواقف مناهضة للنظام الملكي ومناهضة لبعض المؤسسات. وفي سنة 1978م كان الملك (الحسن الثاني) يعتقد أن اليسار الجذري قد تم حله أو قضي عليه، فذهب إلى دعم القوى الإصلاحية المتمثلة في بعض الأحزاب السياسية أملا منه أن تتمكن من إعادة سيطرتها على الحركة الطلابية.

وفي سنة 1979 إلى حدود سنة 1989م كانت الجامعة المغربية تعرف وضعا استثنائيا، حيث تم رفع الحضر العملي على (أوطم) وكان الطلبة يستعدون آنذاك لعقد المؤتمر الوطني السادس عشر، الذي عرف مجموعة من التعقيدات السياسية أفرزتها المرحلة التاريخية والتي انعكست سلبا على المؤتمر حيث أدخلته في متاهة جديدة تميزت بالقمع والاعتقالات والاختطافات حيث ذلك كان نتاج لتلك الأحداث الانقلابية الفاشلة سنة 1972م، لتختم هذه المرحلة بفشل المؤتمر الوطني الثامن عشر 1981م، وهذا يتمثل في الفراغ التنظيمي، وكون الجامعة غير مهيكلة حيث لم يقم أي فصيل بتنظيم الحركة الطلابية.

بعد فشل (أوطم) في لملمة شمل الطلبة والحركة الطلابية وتوجيهها في المسار الصحيح، عرفت منعطف حاسما من سنة 1981م إلى حدود اليوم. فصائل طلابية تتصارع فيما بينها من أجل إثبات أيها الأجدر بحمل الشرعية التاريخية لـ (أوطم)، حيث إن هذا الصراع في بداية أي منذ تأسيس (أوطم) إلى السنة السالفة الذكر ذو طبيعة سياسية؛ التيار الماركسي ضد النظام القائم، (أوطم) ككل ضد السلطة السياسية الحاكمة، لكن في سنوات 1986 و1989م تحول الصراع من سياسي إلى ديني عقائدي بين الفصائل الطلابية، الفصائل الماركسية في مقابل طلبة العدل والإحسان والطلبة المحسوبين على حركة التوحيد والإصلاح، إلا أن الهيمنة الأساسية كانت لطلبة العدل والإحسان، وفي سنة 1991م كانت هناك الهيمنة في بعض المواقع الجامعية للطلبة اليسارين بما فيهم البرنامج المرحلي أو ما يعرف بالنهج الديمقراطي القاعدي وكذا الطلبة التقدميين في مثل موقع فاس ووجدة، كانوا يمنعون منعا كليا أن يلج القادة الإسلاميين إلى هاته المواقع، وكان هناك حضر على جمع الأشكال

النضالية التي يقوم بها هؤلاء الطلبة الإسلاميين، وفي هذه المرحلة تعرض كثير من الطلبة من كلا الفصيلين بالاغتيال والتصفية الجسدية...

من صراع ديني تنتقل (أوطم) لتدشن صراعا جديدا على متن الحركة الطلابية، ألا وهو الصراع الهوياتي الثقافي، الذي ظهر في الألفية مع الحركة الثقافية الأمازيغية والطلبة الصحراويين، هنا المشهد الجامعي تارة يعرف نقاشات فكرة وتجاذبات بين كل الفصائل والمكونات الطلابية، وأحيانا ليس هناك مجال للمهادنة والمصالحة، سلطة القوة تفرض نفسها في بعض المواقف، لتتحول الجامعة من مكان للمقارعة الفكرية والتلاقح الثقافي، إلى حلبة حمراء لتصفية الحسابات الشخصية بين الفصائل، والضحية في نهاية المطاف العائلات والأسر.

وعليه فما نصل إليه في هذا الموضوع هو أن التاريخ السياسي المغربي استحوذت عليه الحركة الطلابية منذ تأسيسها، وأن الحركة الطلابية كان لها دور في صناعة الأحداث السياسية الوطنية والعالمية، إيمانا منها بشعار "لكل معركة جماهيرية صداها في الجامعة". لكن الحق والحق ويقال لم تعد الجامعة في يومنا هذا تصنع الأحداث السياسية ولا تأثر فيها، بل يمكن القول إنها أصبحت عالة على المجتمع المغربي في الوقت الذي ينتظر من الفئة المثقفة أن تعطي إجابات علمية للأزمات والمعاناة التي يعيش فيها، الجامعة مكان لفرض السلطة وتفريغ المكبوتات وتصفية الحسابات الشخصية وممارسة الميوعة والعهر الفكري والتجارة بالمخدرات...

وإلى هنا يضل شعار "الجامعة للجميع، الجامعة للعلم" بعيد التحقق في الوقت الراهن.



عبد الإله بامو