باسم جلالة الملك، وزعت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء 187 سنة، أي قرنا ونصف قرن، وجيلا وسبع سنوات، على معتقلي حراك الحسيمة.

وإذ تنطق المحكمة بهذه الأحكام تكون قد أنهت السجال حول قضية من القضايا وطوت ملفا من الملفات التي شغلت الرأي العام المحلي والوطني والدولي حول الأحداث التي اندلعت بالحسيمة، وهو إقليم يبعد عن العاصمة الرباط بـ 302 كلم ويقع شمال المملكة، إثر احتجاجات اجتماعية انتهت بمطالب سياسية والتدخل في الشؤون الدينية عبر تعطيل صلاة الجمعة ورفع شعارات داخل مؤسسة دينية والاعتداء على رجال الأمن والسلطة وإضرام النار وتكسير ممتلكات راجعة للدولة والأفراد، وهي جرائم تشكل تهديدا لأمن الدولة الداخلي، كما سجلت أدلة الإدانة التخابر مع أفراد من الخارج وتلقي أموال لزعزعة استقرار النظام.

وبعيدا عن العواطف والأهواء والانفعالات، فإن القضاء المغربي لم يتسرع في النطق بالأحكام إلا بعد التداول في الملفات المتعلقة بالمعتقلين على مدى 84 جلسة بكل مرافعاتها القانونية واحترام تام للمساطر وحقوق الدفاع والمتهمين، وفي احترام تام ودقيق لكل ما من شأنه المس بحقوق الإنسان، حسب ما تنص عليه المواثيق الدولية، حيث قدمت النيابة العامة الأدلة الدامغة للإدانة، كما تقدم الدفاع بأدلته الكافية ودفوعاته لتبرئة المتهمين من المنسوب إليهم، وما صاحب ذلك من محاولات للتشويش على أطوار المحاكمة والتأثير على القضاة.

ولكن القول الفصل كان للمحكمة دفاعا عن الدولة وهيبتها، وحماية لحقوق المغاربة للعيش في حرية واطمئنان.

هذا هو الوجه الأول من الصورة، لكن لنقدم قراءة مغايرة للوجه الآخر منها، ونفترض جدلا نجاح ما كان يصبوا إليه الذين كانوا وراء حراك الريف، كما يطيب للبعض تسميته، وبالفعل امتدت الأحداث إلى باقي أقاليم وجهات المملكة، كما حدث في دول الجوار بتونس وليبيا ومصر، وبالشرق الأوسط كسوريا واليمن، وخرجت الأحداث عن السيطرة، حينها سوف لن تبك أمهات المعتقلين فقط، بل ستبك أمهات المغرب بأكمله، وحينها فقط سوف لن تحرق الحسيمة وتازة، ولكن سيحرق المغرب كله الذي قدم آباؤنا وأجدادنا من أجله التضحيات، لهذا أقول، متحملا مسؤوليتي، قلوبنا مع أمهات المعتقلين وعقولنا مع حفظ الأمن والنظام وسمو دولة الحق والقانون.

عبد الرحمان شحشي

*أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق – جامعة الحسن الأول بسطات