حذرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أمس الخميس من أن مستقبل أوروبا على المحك في قضية الهجرة، قبل انعقاد قمة للاتحاد الأوروبي يتوقع أن تشهد مناقشات شائكة حول هذا الموضوع. وقالت أمام مجلس النواب الألماني «أمام أوروبا الكثير من التحديات لكن تلك المرتبطة بمسألة الهجرة التي قد تقرر مصير الاتحاد الأوروبي»، داعية إلى حلول «متعددة الأطراف» بدل اتباع الدول الاعضاء نهجا «أحاديا». يشار إلى أن الائتلاف الحاكم في ألمانيا يتكون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد المسيحي بزعامة ميركل المكون من حزبها المسيحي الديمقراطي والحزب البافاري.
وحاولت ميركل في كلمة مؤثرة أدلت بها أمام البرلمان (البوندستاغ) استمالة منتقديها من داخل صفوفها ودافعت عن قرارها عام 2015 فتح أبواب ألمانيا أمام مليون مهاجر بوصفها خطوة ضرورية لمساعدة جيرانها. وقالت إنه يتعين مع تراجع أعداد الوافدين إعادة فرض قيود الهجرة التي كانت قائمة قبل 2015، ودعت لعقد اتفاقات مع دول أفريقية تماثل الاتفاق المبرم مع تركيا بشأن المهاجرين.
وحذرت المستشارة التي تتعرض لضغوط سياسية كبيرة في بلدها بشأن هذه القضية، من خطر ان تفقد اوروبا قيمها إذا اضطرت لاختيار الجانب الامني والنهج الاحادي في مواجهة قضية اللاجئين، بينما تدعو حكومات عدة إلى الحزم في هذا الملف. وقالت «اما ان نجد حلا يسمح بأن يشعر الناس في افريقيا وغيرها ان قيمنا توجهنا واننا ندعو إلى التعددية وليس إلى الاحادية، وإما أن لا يعود أحد يؤمن بعد اليوم بقيمنا التي جعلتنا اقوياء».
وعبرت عن أملها في قيام «تحالف للمتطوعين» من الدول الـ28 الاعضاء في الاتحاد الاوروبي لإبرام اتفاقات تسمح بإعادة المهاجرين إلى اول دولة تسجلوا فيها. إلا أنها اعترفت أن «هذا ليس حلا مثاليا بالتأكيد لكنه بداية» لادارة تحركات طالبي اللجوء داخل الاتحاد الاوروبي، الذين لا يملكون حق اختيار بلد الاستقبال.
ومن غير الواضح ما إذا كانت بداية الحل هذه كافية لإنقاذ ميركل سياسيا في بلدها. ويطالب الجناح اليميني من تحالفها الحكومي الهش باتخاذ إجراءات ملموسة في هذه القضية خلال القمة التي تعقد الخميس والجمعة في بروكسل.
وكان وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر رئيس الاتحاد المسيحي الاجتماعي، حليف حزب ميركل البافاري المحافظ، قد هدد بطرد كل المهاجرين المسجلين في دول اخرى اعتبارا من الاسبوع المقبل. ويمكن ان تؤدي خطوة من هذا النوع إلى انهيار التحالف الحكومي وتنظيم انتخابات جديدة.
يشار إلى أن هناك انتخابات محلية في ولاية بافاريا في تشرين/أكتوبر المقبل وأن الحزب المسيحي الاجتماعي في هذه الولاية مهدد بفقدان أغلبيته المطلقة التي احتفظ بها هناك على مدى عقود.
وكان تهديد وزير الداخلية الألماني، هورست زيهوفر، الذي يرأس الحزب المسيحي البافاري، برفض اللاجئين القادمين من دولة أوروبية أخرى وذلك اعتبارا من أول تموز/يوليو الوشيك وبشكل أحادي وبدون تنسيق مع الدول المعنية داخل الاتحاد الأوروبي قد زاد من حدة الأزمة مع الحزب المسيحي الديمقراطي الذي ترأسه ميركل، إلى درجة جعلت البعض لا يستبعد انهيار التحالف المسيحي المشكل من الحزبين والذي مضى على تشكيله نحو سبعين عاما.
وفي ظل هذه الأجواء تتزايد الضغوط على ميركل يوما بعد يوما للتوصل لحل يضمن لها استمرار التحالف المسيحي والائتلاف الحكومي.
ودعا رئيس حزب البديل لأجل ألمانيا «ايه اف دي» اليميني الشعبوي المعارض إلى إغلاق الحدود أمام اللاجئين، وأعرب عن توقعه بأنه لن يتم التوصل لحل أوروبي في النزاع القائم حول سياسة اللجوء.
وقال ألكسندر غاولاند الذي يشغل أيضا منصب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب اليميني امس الخميس في البرلمان الألماني «بوندستاج» إنه لابد من مساعدة اللاجئين في مواطنهم.
وأضاف موجها خطابه لميركل: «يمكن وضع صندوق مساعدات أوروبي لهذا الغرض».
وتابع قائلا: «ليس لدينا أدنى شيء ضد مساعدة أشخاص في أزمة. ولكن توقفوا عن استيراد المشكلات بلا نهاية إلى بلدنا، هذا ما نعارضه».
وفي سياق متصل وجه حزب الخضر الألماني والحزب الديمقراطي الحر انتقادات لاذعة للحزب المسيحي الاجتماعي بولاية بافاريا بسبب النهج الذي يتبعه في خلافه حول سياسة اللجوء مع الحزب المسيحي الديمقراطي الذي ترأسه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. وقالت رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب الخضر كاترين ـ جورينج ـ إن الأمر لا يتعلق بقضية موضوعية، ولكنه يتعلق فقط بأن ترحل المستشارة أنغيلا ميركل. وأوضحت السبب قائلة: «لأنهم يريدون دولة أخرى، إنهم يريدون دولة يحكمها الانغلاق والأنانية، بدون تعاون وبدون تكاتف».
كما اتهم زعيم الحزب الديمقراطي الحر كريستيان ليندنر الحزب البافاري بالقيام بدعاية لحسابه في الخلاف حول سياسة اللجوء على حساب المصالح الوطنية. وقال أمس الخميس في البرلمان الألماني «بوندستاغ» : «الحزب البافاري جعل السيدة ميركل وألمانيا عرضة للابتزاز في أوروبا». وأضاف أن عدم الاتفاق بين الحزب البافاري وحزب ميركل يضعف موقف التفاوض الألماني في الاتحاد الأوروبي.
وجاء في المسودة الخاصة بالوثيقة الختامية للقمة أن الهجرة الثانوية تهدد سلامة نظام اللجوء الأوروبي واتفاقية شينغن، لذا يتعين على الدول الأعضاء اتخاذ «جميع الإجراءات الضرورية» اللازمة لوقف هذه التحركات.
وكانت مصادر حكومية بالعاصمة الألمانية برلين أنه على الرغم من أن القمة في بروكسل سوف تحدث تقدما في مسألة الهجرة، إلا أنها لن تحل المشكلة. وأكدت المصادر أن هدف المستشارة لا يزال يتمثل في التوصل لنظام لجوء أوروبي متضامن، يمكن أن تشارك فيه دول مختلفة على مستويات متنوعة.

علاء جمعة