حقيقة صارت رياضة أو لعبة كرة القدم، وسيلة لاختلاق النزاعات بين الشعوب، وتصفية حسابات سياسية بين الحكومات و الدول، كما أضحت ملاعب كرة القدم كذلك منبرا لمن لا منبر له، ففيها تُفرغ المكبوتات والعقد النفسية من جهة ،وتُمرر خطابات عنصرية انتقامية تتطاير شراراتها لتصيب الشعوب المتخلفة المنتمية لدول العالم الثالث من جهة أخرى، والأدهى والأمر حين تتحامل بعض الدول، رغم وجود وحدة الدين واللغة ووو.... ، على بعضها البعض ،رافعة راية الأعداء على حساب تنكيس راية الأشقاء والجيران، وهنا أقصد بعض الدول ، التي فُطمت منذ عهود ،على تقديم الولاء والطاعة للقوى العظمى عسكريا واقتصاديا وسياسيا، ولو اقتضى الأمر من بوابة لعبة كرة القدم، مع الأسف ، هذه اللعبة الرياضية كشفت عورات العديد من دول العالم، وصنفتها بين مؤيد لهذا ومعارض لذاك، أما الطامة الكبرى حين تَحسب من هم من بني جلدتنا وبني عروبتنا يقلبون الطاولة عليك في أدنى فرصة تتاح لهم، إرضاء للقوى التقليدية السالفة الذكر، أما الوسيلة فتبقى هي نفسها تلك اللعبة المشؤومة، إن الحياة مواقف، أما الشهامة والنخوة، والغيرة ، أوصاف لا يتصف بها إلا من تجرع مرارة الدفاع عن حوزة الدين والوطن، ووقف في صف الحق ولو كره الكارهون، حقيقة هناك منغصات وإكراهات تحول دون جهر العديد من الدول بالحق والدفاع عنه، وذلك بممارسة القوى العظمى ضغطا سياسيا واقتصاديا على الدول المستضعفة ، حماية لمصالحها في شتى بقاع العالم، ومع ذلك هناك ظروف أخرى وسياقات سياسية مختلفة تتيح لبعض الدول إمكانية التضامن والتعاطف مع بعضها البعض، احتراما للقواسم المشتركة الموجودة بينها، كما سبقت الإشارة، وهذا ما حصل لبلدنا المغرب الذي خانته تكهناته ودبلوماسيته، أثناء تقديمه ملف ترشيحه لاستضافة نهائيات كأس العالم لسنة 2026 على أرضه، بحيث سَحبت العديد من بلدان العالم البساط من تحت قدميه، وخاصة الإسلامية منها، لتبسطها تحت أقدام بلدان لا تدخل ضمن دائرة العروبة والحمية الإسلامية، فرغم أننا على يقين تام أن ملف ترشيح المغرب لاحتضان كأس العالم لا يرقى إلى مستوى باقي الملفات التي ظفرت بهذا الاستحقاق العالمي، لا من حيث البنية التحتية الاقتصادية والرياضية، ولا من حيث الظروف الاجتماعية ، ومع ذلك كنا نطمح أن تتحرك عجلة التنمية ببلدنا من خلال التصويت لصالح ملفنا ومشروعنا التنموي، وهذا ما لا ترغب فيه بعض الدول، الصديقة على الورق ، كي لا يتسلق المغرب أدراج العالمية، ويُحسب بذلك على الدول السائرة في طريق النمو أو المتقدمة، كما أن هناك حسابات سياسية أخرى لا داعي للخوض في تفاصيلها، تحول دون تحقيق التعاون والتعاطف المنشود بين عدة بلدان، إلا أننا كنا نطمح أن تصفى الحسابات السياسية الضيقة بين جميع الدول بالوسائل الدبلوماسية، بدل الاعتماد على الملفات الرياضية التي يجب أن تبقى في منأى عن الصراع السياسي والإيديولوجي، باعتبار كرة القدم رياضة ولعبة لها شعبية وممارسة، في كل أنحاء العالم، بمعنى أنها صارت لغة تخاطب مشتركة يتقنها القاصي والداني، وبالإضافة إلى كونها ساهمت في مد جسور التواصل بين مختلف الحضارات والثقافات، من خلال المشاركة في الملتقيات العالمية، ولكن عندما اختلطت الكرة بالمضاربات المالية وبأعمال السمسرة ، فقدت هذه اللعبة شعبيتها وأهدافها النبيلة التي سطرتها ،على ما يبدو، أعلى هيأة دولية مسؤولة عن تدبير الشأن الكروي على مستوى العالم “ الفيفا “، ومع ذلك أخذت منحى غير شريف في العديد من المناسبات ، ففي الوقت الذي انتظرنا أن تسود فيه الروح الرياضية بين اللاعبين في بعض المباريات على رقعة الميدان ، والاحترام المتبادل بين الجماهير على المدرجات، نجد بالمقابل تحول بعض الملاعب إلى حلبة

 

صراع وتصفية حسابات بطرق غير أخلاقية ، كالسب،والشتم، ورفع شعارات عنصرية وإيديولوجية، في مس صارخ بثقافة الاختلاف ،المذهبي، والعرقي، والسياسي ،والجغرافي، وهذا السلوك المشين المعبر عنه في كثير من المقابلات الدولية ، تساهم في إذكائه وتكريسه بالملاعب الرياضية ، لجنة دولية تدعى“ الفيفا “ ، وذلك من خلال استفزاز الجماهير والمتتبعين وكذا اللاعبين، عن طريق اختيار أطقم تحكيمية تُفسد الفرحة والفُرجة على الجميع ، إما بدافع انتقامي إقصائي ، أو بدافع تحيزي، يعطي الأسبقية والأحقية لمرور بعض المنتخبات والفرق الكروية التقليدية إلى مراحل متقدمة من كل تظاهرة عالمية ، على حساب منتخبات أخرى طموحة ،عيبها الوحيد أنها تنتمي إلى قارة، و دولة، وديانة ما، مصنفة مسبقا، سياسيا وإيديولوجيا في خانات سوداء من طرف لوبي سياسي عالمي متحكم في كل شيء، وحتى الرياضة نفسها لم تسلم هي الأخرى من هذا التَّحكُّم الذي كشف عورات تلك اللوبيات السياسية، وكنموذج على ما قيل هو اعتماد “ الفيفا “ على تقنية “ الفَار “ ، في نهائيات كأس العالم الجارية بروسيا ، وبالمناسبة هو اسم على مسمى، لمساعدة الحكام على ضبط وتتبع الحالات التحكيمية الشاذة ، والتي تقطع الشك باليقين في مختلف المباريات، إلا أن هذه التقنية استُعملت وخُصصت – على ما يبدو - لإقصاء بعض المنتخبات التي تم تصنيفها سلفا ، وبالمقابل إنصاف وترجيح كفة المنتخبات التقليدية، التي لا تكمل نكهة وجودة المتابعة الكروية إلا ببقائها داخل دائرة التنافس أطول مدة ممكنة، ولم لا الوصول إلى مراحل جد متقدمة في كل النهائيات، على حد تخمينهم ، “ والله أعلم “ ، وهذا ما يجعلنا نقر أن تقنية “ الفار “ لم تُنصف المنتخب المغربي في كل مبارياته، فلنا أن نتساءل، وبكل عفوية ، هل المنتخب المغربي بإحراجه لأقوى المنتخبات العالمية في هذه التظاهرة الرياضية، كان سببا في هذا الإقصاء المبكر؟، أم أن هناك حسابات أخرى حالت دون بقائه على التراب الروسي لمدة أطول؟، ومع ذلك فنحن ممتنون لهذه الكرة التي كشفت عورة هذا وذاك.



رضوان بنصار