التقِطُ دائما في الوسط المغربي والعربي عبارات أو آراء أو دلائل على أن هناك أعداء للإسلام وللمسلمين. بل التقِطُ هذه العبارات حتى في الأدعية مثل "اللهم انصرنا على أعداء الإسلام والمسلمين". وكيف يتم تحقيق التعايش إذا كان هناك أعداء؟ وإذا كان للمغربي أعداء، هذا يعني أنه يُعتبر هو كذلك عدوٌّ من طرف الأعداء؟

أتساءل دائما، من هم هؤلاء الأعداء؟ هل يريدون القيام بإبادة عالمية لكل المسلمين؟ هل هؤلاء الأعداء مجرد أفراد أم مؤسسات أم دول؟ وهل الاقتناع بأن هناك أعداء للمسلمين، ما هو في الحقيقة سوى وهمٌ وهَديان وهلوسة؟

ولهذا اقترح عليكم محاولة تحديد وتعريف أعداء المسلمين، لنتأكد إن كان هناك بالفعل أعداء أم لا؟ ثم سأحاول أن أحلل أسباب هذه القناعة المغربية والعربية.

1- البحث عن أعداء الإسلام؟

أ- الديانات السابقة للإسلام والحديثة في العهد؟

أجد أن كل الديانات تعيش بسلام مع المسلمين ويفتحون معابدهم لهم، ويدْعون إلى التعايش والسلم والسلام، وينظمون لقاءات الحوار بين الأديان، وجلسات الدعاء مع المسلمين، ويقدمون خدمات إنسانية حتى في المجتمعات المسلمة. إذاً، ليس هناك أي دين يدعو أن المسلمين هم أعداء وخصوصا ديانات الدول التي تتعرض للإرهاب باسم الإسلام. إذاً، ليست الديانات هي أعداء المسلمين!

ب- الدول الأوروبية والأمريكية؟

أرى أن هذه الدول تحترم الإسلام وحرية العقيدة وتسمح للمسلمين بإقامة شعائرهم بكل حرية، وتمنحهم الجنسية الوطنية ويحتفظون بأسمائهم الأصلية ويتمتعون بجميع الحقوق, بل أكثر من هذا، تسمح هذه الدول للمسلمين بنشر دينهم بكل حرية وبدون اتهامهم بزعزعة عقيدة مواطنيها أو طردهم خارج الحدود. كما تستقبل هذه الدول، اللاجئين المسلمين والاعتناء بهم وبكرامتهم. ورغم كل عمليات الإرهاب باسم الإسلام، فلم تعتبر هذه الدول، المسلمين المقيمين بديارها أعداءاً. فلو كانت هذه الدول هي أعداء المسلمين، لما استقبلتهم واعتنت بهم. إذا ليست الدول الأوروبية والأمريكية هي أعداء المسلمين!

ج- إسرائيل؟

إسرائيل تحترم الإسلام والمسلمين وتسمح لهم بالقيام بشعائرهم الإسلامية بكل حرية. كما تمنح الجنسية الإسرائيلية للفلسطينيين وللعرب حيث يمثلون 20% من سكان إسرائيل (*). والحرب المؤلمة التي نراها في هذه الديار، لا تعني أن إسرائيل عدوة للإسلام، لأن فلسطين دولة وليست دين والفلسطينيون منهم كذلك المسيحيون. كما نرى أن إسرائيل لا تقتل الفلسطينيين المقيمين ببلدها. إذا إسرائيل ليست عدوة للإسلام والمسلمين وكل ما يقع في المنطقة هو غياب العدل والظلم الجائر والحروب القاتلة على بقعة أرض!

د- الدول الأسيوية والإفريقية؟

من المستحيل أن تكون هذه الدول عدوة للإسلام بسبب تعايش الإسلام مع كل الديانات. أما الحروب الأهلية، هي سياسية أكثر مما دينية أو عرقية. إذا ليست هذه الدول هي أعداء المسلمين!

ذ- المجتمعات العربية؟

نعم، المجتمعات العربية هي عدوة الإسلام، لأنها تعيش في تناقض وترفض الديمقراطية للحفاظ على المصالح الشخصية باسم الدين وتعترض لحرية العقيدة وكل الحريات الفردية ودائما بإسم الإسلام. وكي تبرر هذه المجتمعات عدم تقدمها وتطورها وازدهارها، نجد مبررين الأول بسبب عدم تطبيق الإسلام والثاني بسبب فكرة المؤامرة وأعداء الإسلام. إن المجتمعات العربية هي التي اخترعت فكر المؤامرة ضد المسلمين وهي التي اخترعت هذه الأشباح وهذه الهلوسة ووقعت في الآخر في فخها ولم تعد قادرة على سيطرت الفكر الذي اخترعته. هذا الفكر هو الذي يدمرها من الداخل وبالتالي، تُسقطه على أشباح أعداء المسلمين لكي تخدع شعوبها ويرونها هي الأخرى ضحية المؤامرة!

2- لماذا المغربي والعربي يحافظ على هذا الوهم ويعتني بصيانته؟

أ- غياب الفكر النقدي

يفتقد المغربي والعربي الفكر النقدي وبالتالي يفقد الفكر الحداثي بسبب نوع التربية التي يتلقاها، سواء في المنزل أو المدرسة. ولهذا يبتلع المغربي كل أنواع أطباق الفكر المقيد والمتطرف بدون أي تساؤل، كما يدافع عن الإسلام بالعصبية وعدم الليونة والجدال وبالتالي يعتبر الفكر النقدي والحداثي، عدوا للإسلام. ولهذا ينغلق المجتمع العربي ويرفض التبادل الفكري ولما يجد نفسه في مؤخرة القطار، يتهم الحداثيون بالمؤامرة ضد الإسلام وتصبح بالتالي قناعة حقيقية.

ب- التربية الدينية

توضح التربية الدينية بأن الإسلام هو أفضل الأديان ولهذا هناك حساد وحاقدون يسعون لتدمير المسلمين. ويترسخ هذا الفكر في ذهن الطفل، ومع غياب النقد الفكري، تصبح هذه النظرية حقيقة.

د- فكر الأمة العربية "خيال طفولي"

واقع المجتمعات العربية محبط للغاية وللدفاع عن نفسها والرفع من معنوياتها، تلجا إلى فكر المؤامرة وأن الأمة العربية تشكل خطرا على العالم بحكم انتمائها للإسلام، مما جعل أعداء المسلمين يتآمرون ضدها لكي لا تتطور وتسيطر بالتالي على العالم. وهذا بالطبع خيال كبير على وزن "عندي أعداء، عندي ما يُرعبهم"!



جواد مبروكي