يعدُّ المورد البشري دعامة مهمة من أجل تطبيق أيّ إصلاح أو تحقيق أيّ تنمية، فمدى نجاح السياسات العمومية مرتبط في جزء منه بمدى كفاءة الموارد البشرية التي تسهر على حسن تسيير واستمرارية المرفق العمومي. ومن ثمّ، فإن انتقاء هذه الموارد يجب أن يحاط بعناية لازمة من أجل ضمان مبدإ الاستحقاق والكفاءة المهنية لممارسة الوظيفة المنشودة، تقديم يجد له علاقة بالفصل الـ154 من الدستور: "تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور"، مبادئ ربطت بين ممارسات الإدارة لأعمالها وبين مبادئ الحكامة الجيدة من أجل تقديم خدمات عمومية تليق بالمرتفقين.

والمشرع، من خلال تأطيره القانوني للمباريات والامتحانات بترسانة مراسيم ونصوص تنظيمية، يروم تحقيق المساواة والاستحقاق وتكافؤ الفرص والكفاءة أمام جميع المترشحين أثناء ولوج الوظائف، نصوص قانونية حددت الإجراءات المسطرية الواجب اتباعها من أجل اجتياز المباريات والامتحانات.

أعمال الإدارة في علاقتها بموظفيها باعتبارها مسيرة للمرفق العامة يمكن أن يشوبها شطط أو حيف أو نزاعات. وهنا، أصبح للقضاء الإداري اليد الطولى في الفصل فيها؛ إما بإلغاء القرار الصادر عن الإدارة، أو بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن تصرفاتها الإدارية أو قراراتها، وهي ضمانات قضائية مخولة للموظف احتراما لمبدإ المشروعية.

مناسبة هذا التقديم ما أقدمت عليه وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بإصدارها لإعلان يخص مباريات الدخول إلى مركز تكوين المفتشين لدورة يوليوز 2018، وهي التي لم تعلن بعد عن نتائج الامتحان الكتابي لدورة ماي 2017. فما مدى مشروعية هذ التصرف الإداري الذي أقدمت عليه الوزارة؟ وكيف يمكن التحقق من مدى مطابقة عملها للقانون أو مخالفته له؟

لقد أصدرت وزارة التربية الوطنية، بتاريخ 30 مارس 2017، مذكرة تحت رقم 17/045 تخص مباراة الدخول إلى مسلك تكوين المفتشين التربويين للتعليم الابتدائي، محددة عدد المناصب المالية في 120 مقعدا، مستندة على ظهير ملكي رقم 401.67 (22 يونيو 1967) بسن نظام عام للمباريات والامتحانات... والمرسوم 2.02.854 (10 فبراير 2003) بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، ومرسوم وقرار آخرين...

ومن المستحيل أن تقوم وزارة التربية الوطنية بإصدار هذه المذكرة التي تتضمن اعتمادات مالية دون مراعاة هيمنة وزارة المالية على إعداد وتحضير مشاريع قوانين المالية، والتي تعتبر صاحبة الاختصاص بموجب القوانين التنظيمية للمالية، ودون أدنى تنسيق معها أثناء إعدادها للسياسة المالية والنقدية لمالية الدولة، وهي التي تحرص على احترام القواعد الشكلية والجوهرية وتجمع المقترحات، عبر لجانها ومديرياتها.

إن استبعاد احتمال عدم تخصيص مناصب مالية قبل الإعلان عن المباراة واعتباره مجرد تكهن لا أساس واقعي وقانوني له، يجعلنا أمام مسألة نقل الاعتمادات المالية والتي بدورها تحتاج إلى مساطر وإجراءات قانونية خاصة. وهنا، كان لزاما على الوزارة من باب مسؤوليتها الإدارية والأخلاقية أن تصدر بلاغا للرأي العام تخبره عن أسباب عدم نشر نتائج الكتابي، ولو باب حرصها على ضمان الحق في المعلومة المكفول دستوريا.

إن الإدارة ملزمة أثناء ممارستها لاختصاصاتها وصلاحياتها باحترام النصوص القانونية المنظمة لحياتها ولممارساتها القانونية اليومية، وأي خروج لها عن هذا المنوال يجابه برفض الموظفين أو المرتفقين لأعمالها، ويضعها تحت طائلة البطلان أو اللامشروعية القانونية، في وقت يجب أن ينصب جهدها على تحسين خدماتها وتجويد مساطر التدبير والتسيير الإداريين.

وفي المقابل، فحق التقاضي كفله المشرع للموظف من أجل مجابهة شطط السلطة الإدارية أثناء ممارستها لقراراتها، ولنا في اجتهادات القضاء الإداري – كجهاز ألغى مجموعة من القرارات الإدارية – صمام أمان من أجل ضمان مصداقية وشفافية المرفق العام.

وإن كان ما بادرت به الوزارة لا يدخل ضمن القرارات الإدارية التي تمس بالمراكز القانونية لموظفيها، فكان ولا بد أن نذكر أن الضرر الذي لحق بموظفيها المترشحين هو ضرر معنوي ناتج عن خطإ مرفقي للإدارة، لكونها لم تتحر في مختلف الجوانب القانونية والتنظيمية المرتبطة بمباراة 2017 مما نتج عنه بتقصير الإدارة في ممارستها لاختصاصاتها. ومن ثمّ، حق للموظف المطالبة بالتعويض المادي الناتج عن الضرر التي تسببت فيه أعمال الإدارة، بعد اتباع مسطرة التظلم التي يمكن أن تنص عليها بعض الحالات.

فمن بين المبادئ التي دأب عليها الاجتهاد القضائي الإداري المغربي عدم إمكانية الجمع بين دعوى الإلغاء ودعوى التعويض في العريضة نفسها؛ وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتطابق وهاته النازلة، التي يمكن أن تدخل في إطار ما يعرف بالسلطة التقديرية للإدارة، إلا أن ذلك لا يخلي مسؤوليتها القانونية عن هكذا تصرفات.

ووجب أن نذكر بمجموعة من التجاوزات القانونية السابقة للوزارة في حق موظفيها، كالاستمرار في الإجهاز على حقهم في الترقية بالشهادة وتغيير الإطار أسوة بالأفواج السابقة وبباقي القطاعات الحكومية، وتنزيلها لمخطط التعاقد، وعدم حلها لمجموعة من الملفات القطاعية وخاصة ملف شيوخ التعليم من ضحايا النظامين، ومعتقلي الزنزانة 9، ومرسبي ملف المتدربين...

وختاما، كان لزاما على الإدارة أن تراعي في أعمالها حسن التقدير، من أجل تلافي النزاعات، ولضمان تدبير أمثل وحكامة أفضل للمرفق العمومي، وللوضعيات الإدارية لموظفيها، مع الحرص على احترام مقتضيات النصوص التشريعية الجاري بها العمل، وفي غياب أحكام قضائية سابقة لنوازل مشابهة يجعلنا ننتظر ما سيسفر عنه مقبل الأيام.

يونس الراوي

*عضو المكتب الوطني للجمعية الوطنية لأساتذة المغرب