من أكثر ما تناقلته حسابات فئة من المواطنين عبر شبكات التواصل الاجتماعي خبر تنظيم ندوة الحريات الفردية لصاحبها نور الدين عيوش، رئيس مجموعة الديمقراطية والحريات. والتي تحولت، بفعل الكثير من الحماسة، إلى ما يشبه حملة إعلامية مضادة.

والذي لا يعلمه الكثيرون هو أن "الحملة الاعلامية" ضدة ندوة عيوش حول الحريات الفردية تخدم تلك الندوة أكثر مما تضرها؛ فعيوش، الخبير في الإشهار والتواصل، أكبر من يحسن استثمار "الحملات الإعلامية المضادة" لمشاريعه، بل هو من القلائل الذين يبحثون عن المخالفين لإثارتهم للدخول في أشكال من الحملات الاعلامية ضد مبادراته. بل والبحث عن عناصر الإثارة التي ستضمن له حضور نشاطه لدى الرأي العام بأي شكل من الأشكال. لذلك، لا يستغرب أن يقحم عيوش في الندوة شخصيات اتضح بعد الإعلان عنها أن أسماءهم تم إقحامها فقط. كما اختار عيوش إعلان تنظيم ندوته في مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود بالدار البيضاء، وهو اختيار يضفي الفرجة والإثارة والاستغراب على المشروع على أكثر من مستوى. وهي عناصر حيوية في تحقيق النجاح الإعلامي للمشاريع. وهكذا، نجح عيوش في تحويل تنظيم ندوة إلى حدث رأي عام!

إن من أكبر مؤشرات نجاح بعض الأعمال هو في حجم حضورها في الرأي العام، وقدر أخذ الناس بها علما بغض النظر عن موقفهم منها؛ بل إن "الحملات الإعلامية" المضادة لمشاريع بعض الشخصيات عبارة عن هدية لها حين تبحث بكل ما أوتيت من قوة لتسجيل نفسها ضمن المناضلين الحقوقيين. والسيد عيوش اختار البعد الأكثر حساسية في تلك الحريات، وهي الحريات الفردية في جوانب خاصة مثل الحريات الجنسية وحرية المعتقد، وغيرها من القضايا التي تثير الجدل في المجتمع وتسمح بالحضور المستمر والساخن بعيدا عن النضال الحقيقي في هذا المجال.

وتلك "الحملات المضادة" تكرس صورة عيوش المضطهد، والمحاصر، بل والمهدد أيضا حين تنفلت "الحملات، إلى لغة العنف. وها هو اليوم يصرخ بكون ندوته تعاني من الحصار! وحين يقاوم بأسلوبه الذي يحرص على أن يكون رصينا وهادئا ومليئا بعبارات الحوار والحرية والحقوق والمواطنة و... فحينها ينتقل عيوش إلى استثمار "الحملات ضده"، والتي لا تضره في شيء في نهاية المطاف، لتكريس صورة رجل النضال والحوار والحريات والحقوق بل ورجل قيم الديمقراطية وخدمة الوطن و...

أما إذا تجاوزنا لعبة "من يمارس الإعلام حقيقة؟" وتوقفنا عند الحدث في حد ذاته، فإنه من المستغرب أن نناهض ندوات فكرية مهما كان موضوعها وأهدافها، فالشكل يفرض التوقف قبل الانخراط العاطفي في أية ممارسة ضده، فنحن أمام شكل من أشكال ممارسة الحق في التعبير والتفكير، بغض النظر عن اختلافنا معه. والأشكال الفكرية تواجه بالأشكال الفكرية، ومن غير المناسب مطلقا أن نمارس رفضا عاطفيا لنقاش فكري فقط؛ لأن مناقضته لمعتقداتنا وأفكارنا راجحة.

إن المطلوب في مثل هذه الحالات هو إما الحضور والتعبير عن الفكرة ودحض ما يخالفها بالحجة وبالحوار والجدل بالتي هي أحسن، أو المبادرة إلى تنظيم أشكال فكرية مماثلة تطرح النقيض والبديل، أو التجاهل التام وهو أضعف الإيمان.

إن السيد عيوش مطمئن إلى الدعاية المجانية الكبيرة، والتي قد تكون غير مسبوقة، لنشاطه المنتظر. وهو بذلك يتوقع حضورا لافتا ليس للمخالفين، بل للمساندين لطرحه الذين ستدفعهم الحمية إلى دعم مشروع ينسجم مع توجهاتهم حتى مع رفض شخص عيوش. أما ما قد يكون من تطورات بسبب حضور الرافضين، فالسيد عيوش يعرف كيف يأكل لحم كتفها، وكيف سيستثمر ذلك إلى أقصى الحدود. وحتى لو افترضنا جدلا أنه تم "الضغط"، من أي جهة كانت، على السيد عيوش وسحب مشروع ندوته، فهو في نهاية المطاف قد ربح بشكل لا يمكن تصوره، فبذلك أصبح من المناضلين الكبار الذين يواجهون "أعداء الديمقراطية" و"أعداء الحريات" و"أعداء حقوق الإنسان"، وسيكون في أعين الغرب بالخصوص من أبطال النضال الديمقراطي والحقوقي في المغرب اليوم.

لكل ما سبق، فإن أحسن أسلوب لمواجهة مشاريع عيوش وأمثاله هي التجاهل التام؛ لكن لا بد من التأكيد على أمر حيوي لا يقبل المزايدة ولا الالتفاف في التعبير عنه، وهو أنه آن الأوان على الأقل للذين يتحدثون عن الفكر والحقوق والحريات أن يعلموا أن انخراطهم الرافض لندوة فكرية يمس بمصداقية شعاراتهم؛ ذلك أن الآخر أيضا، ومهما كان، من حقه أن يفكر ويعبر، وأن التدافع ينبغي أن يكون فكريا وسياسيا حرا ونزيها.

 

حسن بويخف