شكلت قواعد الجيوش الفرنسية والأمريكية والإسبانية محكا حقيقيا وتحديا صارخا لمفهومي السيادة والاستقلال اللذين ضحت من أجلهما الأمة المغربية .

وفي هذا الصدد يقول الملك الراحل الحسن الثاني: "في طليعة الصعوبات تلك المساعي التي قمنا بها لاستكمال الاستقلال في سائر أجزاء الوطن حتى يعود كسالف عهده متمتعا بحدوده المعروفة له تاريخيا وجغرافيا. ولئن كان من مخلفات العهد البائد وجود جيوش أجنبية بالتراب المغربي فلا يعقل بعد حصول المغرب على استقلاله والاعتراف له بسيادته أن يستمر وضعها على ما كان عليه؛ فلا مناص إذن من إيجاد حل يتفق وسيادة البلاد وكرامتها...وسنشرح لقادة الولايات المتحدة خلال رحلتنا إليها رأينا في المسائل المعلقة بين بلدينا، ولكن الغرض الرئيسي هو محادثة القادة الأمريكيين في الشؤون التي تهم بلدينا قصد تأكيد السيادة المغربية وتثبيت دعائمها...وبودنا أن تكون فرنسا قدوة حسنة لغيرها في هذا المضمار كما كانت لها الأسبقية في الاعتراف باستقلال المغرب".

وهكذا اعتبر الحسن الثاني قضية الدفاع عن السيادة والاستقلال واجبا مقدسا، موردا: "السهر على سلامة تراب المملكة، والسعي إلى استرجاع ما اغتصب من مناطق واجب مقدس..لذلك عملنا لحل هذه القضية مع الدول التي يعنيها الأمر، فوجهنا في شأنها عدة مذكرات إلى الحكومتين الفرنسية والإسبانية...عازمين على تحقيق الجلاء الكامل عن بلادنا من غير قيد ولا شرط".

وكانت نتيجة المفاوضات مع الولايات المتحدة في الموضوع "صدور بلاغ مشترك تعترف فيه حكومة الولايات المتحدة بسيادتنا على قواعدها العسكرية بالمغرب وتعبر عن قبولها مبدأ الجلاء...قبل نهاية سنة 1963. وفي هذا الصدد ستتخذ في الحين التدابير لإفراغ مطار بن سليمان، وستتم عملية تسليمه يوم 31 مارس سنة 1960"، يقول الملك الراحل.

وأسفرت المساعي التفاوضية مع الولايات المتحدة عن صدور بلاغ مشترك، كما شرع في تطبيق الاتفاق فعليا، إذ تم تسليم قاعدة بن سليمان ومطار سلا ومركزي الرادار بالسعيدية ومشرع بلقصيري.

كما وقع الاتفاق مع الحكومة الفرنسية على جلاء قواتها جلاء تاما قبل الثاني من شهر مارس 1961، وتحويل قواعدها العسكرية الجوية إلى مدارس لتعليم الطيران؛ وستصفى هذه المدارس بدورها قبل نهاية سنة 1963. كما وضع الجيش الملكي يده على الثكنات الفرنسية السابقة بالدار البيضاء ومديونة وجميع ثكنات عين حرودة والقنيطرة، واسترجع مطار مدينة الرباط وكافة المنشآت العسكرية بالعاصمة، ومنها مركز القيادة العليا الفرنسية.

لقد أثارت قضية جلاء الجيوش الأجنبية وقواعدها نقاشا كبيرا بالمغرب بين كافة حساسياته وقواه الوطنية؛ إذ نشرت "مجلة الأطلس المصورة" سنة 1963 ملفا حول جلاء القواعد الأمريكية عن المغرب؛ بعد أن فككت قاعدة النواصر معداتها ومنشآتها وتجهيزاتها لتصديرها إلى أمريكا أو قواعدها بأوروبا، متسائلة عن مصير العمال والموظفين بالقواعد سابقة الذكر.

كما كتبت صحيفة «Maroc Monde» الفرنسية، والصادرة بالمغرب، في العدد 86 بتاريخ الجمعة 21 مارس 1958 مقالا تحت عنوان: "عشرة آلاف جندي فرنسي سوف يغادرون المغرب"، لتطرح سؤالا أعمق في العدد 112 بتاريخ 19 سبتمبر 1958: هل ستكون القواعد الأمريكية بالمغرب غير مهمة في المستقبل؟.

 

عبد الرحمان شحشي*


 

*أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق – جامعة الحسن الأول بسطات.