رب ضارة نافعة كما يقال. ربما من الخير لنا أن نعرف حقيقة من كنا نظنهم إخواننا في الدين وفي الدم العربي. لقد كان التصويت في موسكو على الدولة التي ستحتضن كأس العالم 2026 مرحلة فاصلة في تاريخ العلاقات المغربية مع "الإخوة" العرب. وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند، كما قال شاعر العرب طرفة بن العبد في سياق آخر، وهو ما ينطبق على الحراك السعودي في المونديال.

لم تكتف الدولة "الشقيقة" بالتصويت على الملف الأمريكي بل قامت بحشد الأصوات لصالح هذا الملف وأدت الثمن غاليا لفائدة العديد من الاتحادات الرياضية كي تصوت لفائدة ترامب، وحاربت بكل قوة الملف المغربي كأن هذا البلد عدو للسعودية، لهذا كانت الضربة صعبة على المغرب ليس لأنه خسر الترشيح ولكن لأن من ظن أنهم إخوته فعلوا به مثلما فعل أبناء يعقوب بأخيهم يوسف بينما من كان يظنهم خصومه صوتوا لصالحه.

لكل بلد الحرية في أن يصوت على من يشاء من الملفات أو يمتنع، لكن من غير المعقول أن يكون البلد الذي يناهض الملف المغربي هو البلد الذي يرتبط بعلاقات تاريخية واستراتيجية مع المغرب، وسبق للمغرب أن أعلن أنه مع السعودية في السراء والضراء وأنه سيدافع عنها بقوة تجاه أي اعتداء محتمل يمكن أن تتعرض له، ولهذا شارك في التحالف العربي أو ما أصبح يعرف بعاصفة الحزم.

لقد وقف المغرب وقفة رجل واحد مع المملكة العربية السعودية في كل أوقات الشدة، وأعلن عزمه مواجهة كل المخططات التي تستهدف المنطقة، وعانى كثيرا من تبعات ذلك، لكن للأسف الشديد فإن الرياض أظهرت أنها لا تملك أخلاق العرب وهي أخلاق الوفاء حتى في العصور العابرة، وما وقع اليوم قد يدفعنا أو ينبغي أن يدفعنا لمراجعة موقفنا وربما حتى انتماءنا لعالم عربي لم يأتينا منه إلا وجع الرأس، وحسنا فعل جلالة الملك محمد السادس عندما أعلن التوجه نحو عمق المغرب أي إفريقيا.

إذا كان الانتماء العربي لا يفيد حتى في ملف لكرة القدم فهل سيفيد في حالة المواجهة لا قدر الله؟ ولهذا ما فعلته السعودية اليوم فيه خير كثير للمغرب حتى يعرف أنه كان يعول على علاقات مهزوزة لا عمق لها وحتى يراجع مواقفه وعلاقاته الاستراتيجية وإن اقتضى الحال أن تعود علاقاته بالمشرق مجرد علاقات تقليدية بينما يتم توفير الجهد لخدمة علاقات استراتيجية مع دول إفريقية أظهرت الوفاء والإخلاص للمغرب.