تعتبر مشاكل ليبيا أهم موضوع سياسي يوجد في شمال إفريقيا وبلا د الساحل منذ قيام ثورة 17 فبراير سنة 2011 حتى الآن، وهذه الأهمية ترجع إلى كون هذا البلد وقعت فيه ثورة وتغيير لنظام الحكم الفردي القوي ، وهو عبرة لكل الذين يشبهونه من الحكام، مثل الذي وقع في تونس ومصر، وتحركت جزئيا بوادر تغييرات في المغرب والجزائر، وموريتانيا، وظهر أثرها في مالي، وبوركينافاسو، والنيجر، وغيرها من أنظمة الحكم في الساحل، ولم يقع تتبع ودراسات وكتب ينتجها المغاربة والمغربيات حول ليبيا مابعد سنة2011 ،مما نتج عنه ضعف المعرفة السياسية حول مشكلة ليبيا لدى الشباب، ويرجع ذلك إلى ما كان يصرفه الكدافي قيد حكمه من المال على من يسمون بالمثقفين والكتاب في المغرب، مثلا تمويل المركز القومي للثقافة العربية الذي كان يتقاضى منه الأجور المريحة أكثر من 60 كاتبا وكاتبة من المغرب، أصبحوا مغمورين وصامتين بعد سنة2011.

ومعنى ذلك هو أن ظاهرة التغيير شملت خريطة واسعة، ونتجت عنها معطيات جديدة، منها مشاريع انقسام كبير بين طبرق وبنغازي وزوارة مع نفوسة، والتوبوToubous، والطوارق وأنصار النظام الساقط ...وكانت الأجوبة ومقترحات الحلول السياسية، تتجلى في عناصر أهمها هو كما يلي:

1- تدخل الأمم المتحدة، وتدخل الدول الكبرى القوية، وتدخل حلف الناتو، وتدخل المنظمات الإسلامية، والمذاهب السلفية والقومية العربية في كل هذه المنطقة قصد تطبيق نوع من الحلول السياسية، ترتبط بمصالح هؤلاء كل حسب أهدافه وأخطر التدخلات جاء من مصر وفرنسا والإمارات العربية، وقطر.....

2- تغيير الدساتير في المنطقة، ومحاولات إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وجماعية، وليس هذا المقال موسعا لتقييم التدخلات الأجنبية، وتقييم الحلول المقترحة، لكن تجربة تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا، ومالي والنيجر وبوركينافاسو أثبتت أن الحلول التي طبقت فيها بالتدخل الأجنبي والتغييرات الداخلية، سرعان ما أتاحت فرصة قيام نسخ جديدة لأنظمة الحكم التي كانت الثورات تظن أنها تخلصت منها.

وتبقى ليبيا ظاهرة تتميز بالاستمرار، وعدم تسرع الشعب الليبي في فبركة ما يعرف عند طارق متري "بناء الدولة الليبية" مما يجعلها موضوعا يختلف عن كل ما انتهى إليه التونسيون والمغاربة، والجزائريون، والموريتانيون من نكسة عودة نسخ جديدة من الاستبداد تبدأ من سنة2011، ويهمنا أن نتساءل ماذا استمر في ليبيا؟ ولماذا استمر لأكثر من سبع سنوات

ونحتاج إلى دراسة ظاهرة استمرار ثورة ليبيا كل هذه المدة، والأخطاء التي ارتكبت، ومنها على الخصوص أخطاء الأمم المتحدة في عهد كوفي عنان Kofi Anane، وخلفه Antonio Guterres كوتيريس، ويتجلى أول خطأ في. تعيين شخصيتين من لبنان وهما طارق متري، وبعده غسان سلامة (يحمل الجنسية الفرنسية ويحمل وسام Chevalier de la légion d honneur ,e t Grand prix de la francophonie في منصب ممثل الأمم المتحدة في ليبيا، ابتداء من 20 يونيو 2017 ، وهما عربيان ينتميان إلى حركة القوميين العرب التي تشعل الصراعات في لبنان وسوريا والعراق واليمن ولاتطفئها، ولم تعتبر الأمم المتحدة أن القومية العربية التي يمارسها النظام السياسي الساقط في ليبيا كانت من أسباب قيام الثورة ضده، سنة 2011 واللبنانيان معا من أقطاب خدمة فرنسا والولايات المتحدة،، وحاصلين على امتيازات خارجية، وليس لهما أي مشروع معروف يتعلق بليبيا، وهما وزيران سابقان في لبنان، ونتساءل لماذا يحتكر هذا النوع من اللبنانيين انتداب الأمم المتحدة في ليبيا؟

3- لم يعتبر الفرنسيون وممثلو الأمم المتحدة أن المشكلة السياسية الكبرى حدثت يوم التصويت على أعضاء مجلس النواب في 25 يونيو 2014 (200 مقعد) قاطعه الأمازيغ والتوبو والطوارق، بسبب عدم إدراج حقوقهم الثقافية واللغوية والاقتصادية في وثائق الإنتخابات،،وتذكر بعض المصادر الإعلامية أن عدد الذين شاركوا في التصويت لايتجاوز 18 ٪ من الناخبين المسجلين، وتدل هذه النسبة على فشل البرلمان منذ إعلان هذه النتيجة، وإلغائها من طرف القضاء الليبي، واستمرار البرلمان رغم حكم القضاء ومقاطعة المكونات الشعبية

3- قبول ممثلي الأمم المتحدة وفرنسا لطرف واحد من المسلحين في ليبيا، هو جيش برلمان طبرق الذي يرأسه الضابط العسكري خليفة حفتر، وهو حضر مثلا بصفته العسكرية في لقاء باريس (29ماي2018) ولم يستدع قادة عسكريون آخرون يرفضون سيطرة خليفة حفتر يرأسون قوات مسلحة مثل الضابط سالم بدروش الذي يرفض تسمية العسكر الليبي باسم "الجيش العربي" الذي يطلقه حفتر على العسكر الذي يعترف به، ولم تبادر الأمم المتحدة بممثلها اللبناني، وفرنسا في لقاءاتها الى إشراك رؤساء البلديات (المحافظات) الذين انتخبهم السكان بعد سقوط حكم ما كان يسمى "مؤتمر الشعب العام" علما بأن مناطق الأمازيغ مثلا، والتوبو يحكمها رؤساء انتخبهم الشعب خارج نطاق الحكم المركزي وخاصة أن مناطق رأس أجدير، المعبر الليبي نحو تونس تحرسه قوات مسلحة ترفع الراية الأمازيغية، كما ترفرف راية التوبو على مدينة سبها Sebha في جنوب غرب ليبيا.

وختاما فإن تجربة ليبيا خلال سنوات 2011-2018 أثبتت أن الشعب يحمي نفسه من طغيان الحكم الفردي المركزي ومن نهب الحاكم المركزي والمقربين منه للثروات بواسطة تنظيمات مدنية تسير شؤون البوادي والمدن بواسطة قيادات مدنية تدعمها قوات محلية مسلحة، وهي دروس سياسية حول مستقبل الديموقراطية في شمال إفريقيا والساحل، تعتبر ليبيا مختبرا لها، وخاصة عند ظهور نوع من نموذج الحزبية ذات الجناحين العسكري والمدني في تجربة حزب الليبو في الأشهر القريبة الماضية.

 

أحمد الدغرني