بعد مخاضٍ عسير، صدر البيان الختامي لقِمّة قادة الدول الصناعية السبع الكبرى. لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفيما كان يعبر بطائرته الرئاسية أجواء المحيط الهادئ إلى سنغافورة، انقلب على ما وقّع عليه، وجدّد تهديد حلفائه بفرض رسوم جمركية كبيرة عليهم، ولام رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو متهماً إياه بأنّه «غير نزيه». واتهم مسؤول في البيت الأبيض ترودو بتوجيه «طعنة في الظهر» للولايات المتحدة.

وبعد ساعات ماراثونية من المفاوضات والصياغات، بالحد الأدنى من التوافق الهش، تأكّد إجماع على أنّ القمة انتهت بفشل. وأثار رد فعل ترامب غضب الحلفاء، فردّت باريس بأنّ «التعاون الدولي لا يمكن أن يكون رهنَ نوبات غضب»، واكتفت برلين بتأكيد التزامها ما ورد في البيان.

وسحب ترامب موافقته على البيان الختامي على رغم التسوية التي تم التوصل إليها بعد جهود شاقة حول القضايا التجارية. وكان الوفد الأميركي، وعلى رأسه ترامب، وافق على هذه الوثيقة التي تتضمن 28 نقطة خاضت مجموعة السبع مفاوضات شاقة لإقرارها.

وبرّر ترامب «ضربته» لحلفائه بتصريحات رئيس الوزراء الكندي في المؤتمر الصحافي الختامي والتي وصف فيها فرض واشنطن رسوماً جمركية على وارداتها من بلده ومن أوروبا من الألمونيوم والفولاذ بأنّها «مهينة».

وكان ترودو قال إنّ «الكنديين مؤدبون، لكننا لن نسمح بإيذائنا». وأكد، كما فعل الاتحاد الأوروبي، أنّ إجراءات انتقامية ستتخذ في تموز (يوليو).

وبعد قليل، وفي تغريدة من الطائرة الرئاسية، أمر ترامب مُمثّليه في الاجتماعات بسحب الموافقة الأميركية على البيان الختامي، رداً على تصريحات ترودو التي استفزته ودفعته إلى كيل الانتقادات له فوصفه بأنّه رجل «غير نزيه وضعيف». وزاد المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض لاري كودلو الكَيْل لترودو بوصفه «سخيفاً وقليل الخبرة»، واتهمه بخداع ترامب وطعنه في الظهر عبر إدلائه ببيانات «مثيرة للاستقطاب».

وفي «انقلاب» على التصريحات التي أطلقها يوم السبت الماضي. وطرح فيها إقامة منطقة تبادل حر و«إلغاء الرسوم الجمركية، وإلغاء الحواجز غير الجمركية، وإلغاء الدعم»، هدّد ترامب بفرض رسوم جمركية على السيارات المستوردة إلى الولايات المتحدة، وهو قطاع أهم من الألمونيوم والفولاذ اللذين طاولتهما الإجراءات الأميركية الشهر الماضي.

وباغت قرار ترامب وتهديده قادة مجموعة السبع الذين كانوا غادروا للتو المنتجع الذي احتضن القمة. ولم يدل مكتب ترودو بأي تعليق، واكتفى بالتذكير أنّ «رئيس الوزراء لم يقل شيئاً لم يكن صرّح به علناً وفي محادثات خاصة مع الرئيس» الأميركي.

وكانت الرئاسة الفرنسية، التي ستستضيف قمة المجموعة في العام 2019، أول المعلّقين، إذ شدّدت على أنّ «التعاون الدولي لا يمكن أن يكون رهن نوبات غضب أو انتقادات».

وتابع قصر الإليزيه في بيانه: «أمضينا يومين للتوصل إلى نص والتزامات نتمسّك بها، وأي طرف يتخلى عنها ويدير ظهره يبرهن على ضعف تماسك وقلة انسجام مع نفسه». وتابع البيان: «لنرتقِ إلى مستوى يليق بشعوبنا».

وفي السياق، أكّدت الحكومة الألمانية دعمها «البيان الذي اتفقنا عليه جماعياً»، واتهم وزير الخارجية الألماني هايكو ماس ترامب بـ «تدمير» علاقة الثقة التي تجمع واشنطن بأوروبا. وكتب على «تويتر» منتقداً إياه: «بوسعك في تغريدة أن تدمر مقداراً لا يصدق من الثقة بسرعة. هذا ما يجعل بقاء أوروبا موحدة أكثر أهمية وتدافع عن مصالحها بطريقة أكثر شراسة».

البيان الختامي للقمة أكّد «الدور الحاسم لنظام تجاري دولي مبنيّ على قواعد، ونواصل محاربة الحمائية»، وجدّد الالتزام بـ «تحديث منظمة التجارة العالمية لجعلها أكثر إنصافاً، في أقرب وقت ممكن». وتعهّد «بذل قصارى جهدنا لتخفيف الحواجز الجمركية والحواجز غير الجمركية».

واشتمل البيان على بنود كثيرة، فيما غرق بند البيئة والمناخ في مستنقع الخلافات، إذ فشلت المجموعة في التوصل إلى اتفاق بسبب الموقف الأميركي. وتعهدت المجموعة ضمان «سلمية» البرنامج النووي الإيراني. وبعدما دعا البيان إيران إلى «لعب دور بناء عبر المساهمة في جهود مكافحة الإرهاب والتوصل إلى حلول سياسية، ومصالحة، وسلام في المنطقة»، دان «تمويل الإرهاب بكل أشكاله بما في ذلك الجماعات الإرهابية التي تموّلها إيران».

ودعا موسكو «إلى الكف عن سلوكها المزعزع للاستقرار، وعن تقويض الأنظمة الديموقراطية، ودعمها النظام السوري».

ووصف الرئيس فلاديمير بوتين انتقادات المجموعة بـ «الثرثرة الخلاقة»، ودعاها إلى «الالتفات إلى المواضيع العملية المرتبطة بالتعاون الحقيقي». وزاد إن من دواعي سروره الاجتماع بأعضاء المجموعة في موسكو.