أظهرت أحدث عملية سبر للآراء أن صورة السياسيين التونسيين سواء منهم في الحكم أو في المعارضة اهتزت على وقع الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد فيما حل راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في ذيل قائمة الشخصيات القادرة على قيادة البلاد.

وكشفت الدراسة أن الأزمة ألقت بتداعياتها السلبية على تدني رضا التونسيين على أداء الشخصيات السياسية بما فيهم الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد وراشد الغنوشي والرئيس السابق محمد منصف المرزوقي.

وتم إعداد عملية سبر الآراء خلال الفترة الممتدة ما بين 31 مايو/ايار الماضي و2 يونيو/حزيران الحالي من قبل مؤسسة "أمرود كونسلتينغ" بالتعاون مع "دار الصباح وشملت عينة تتكون من 927 شخص ينتمون إلى مختلف الفئات الاجتماعية في كامل أنحاء البلاد.

ووفق عملية سبر الآراء تراجعت نسبة رضا التونسيين عن أداء الرئيس قائد السبسي بشكل طفيف من 32.7 بالمئة خلال بداية شهر مايو/ايار الماضي إلى 32. 3 بالمئة.

 ورغم من أن نسبة التراجع تعد طفيفة إلا أنها تعكس نوعا من التدحرج المتواصل بشأن الشعبية خاصة وأنها كانت في حدود 39.5 بالمئة خلال يوليو/تموز الماضي. ويعزي التدحرج، كما يرى محللون، إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتوتر وتردي الأوضاع الاجتماعية وما أنجر عنها من احتقان وتدهور للمقدرة الشرائية للتونسيين.

ويبدو أن الأزمة السياسية وما رافقها من تفاعلات تبقى الدافع الرئيسي لهذا التراجع وخاصة بشأن تعثر الحوار الذي يرعاه حول وثيقة قرطاج 2 بين الموقعين عليها.

تعليق العمل بوثيقة قرطاج يعقد الوضعتعليق العمل بوثيقة قرطاج يعقد الوضع

ويرى مراقبون أن قرار الرئيس الباجي القاضي بتعليق العمل بوثيقة قرطاج عمق تدني نسبة رضا التونسيين فيه باعتبار أن التعليق كشف فشله في التوصل إلى حل الأزمة خاصة وأن الوثيقة والحوار بشأنها جاءت بمبادرة منه.

ويرى مراقبون أن قرار التعليق رأى في جزء من التونسيين فشل السبسي في إدارة خلافات الأطراف والتوصل إلى توافقي بناء على مبدا الحوار الذي يعد ثابتا وطنيا.

وقال أحمد الصديق القيادي في الجبهة الشعبية المعارضة إن قرار التعليق يؤشر على أن الموقعين على الوثيقة لم يختلفوا على برامج وإنما اختلفوا على توزيع مواقع القرار السياسي" في إشارة إلى تمسك النهضة بيوسف الشاهد رئيسا للحكومة من جهة ورفض كل من نداء تونس واتحاد الشغل ونقابة أرباب العمل بقاء الشاهد.

وشدد الصديق وهو يتحدث إلى مراسل ميدل ايست أونلاين "إن تعثر المفاوضات وقرار التعليق دليل على أن مبادرة السبسي فاشلة مسبقا في ظل العقلية الغنائمية التي تفاضل المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية".

ويبدو أن صورة السبسي اهتزت أيضا على وقع ميله لبقاء الشاهد في وقت تكاد تجمع كل الأطراف على رحيله وأيضا على وقع الأزمة التي تعصف بالنداء الذي أسسه.

ولم تنجو صورة الشاهد من الاهتزاز، وفق عملية سبر الآراء إذ تراجعت نسبة رضا التونسيين على أدائه من48.8 بالمئة خلال شهر مارس الماضي إلى 46.4 بالمئة حاليا.

واللافت أن اهتزاز شعبية الشاهد أخذت خلال الأشهر الأخيرة نسقا تنازليا نتيجة فشله في إدارة الأزمة السياسية والتعاطي الإيجابي مع الاوضاع العامة التي ما انفكت تتردى إذ كانت نسبة رضا التونسيين على أدائه خلال شهر يوليو/تموز في حدود 54.4 بالمئة.

وقالت الدراسة إن هذا التراجع كان متوقعا في ظل فشل الشاهد في حلحلة الأزمة السياسية وتوتر علاقته مع كل من نداء تونس واتحاد الشغل ونقابة أرباب العمل. ولا يستبعد مراقبون أن اهتزاز صورة الشاهد كان أيضا نتيجة اقترابه من حركة النهضة على حساب النداء وبقية القوى السياسية والمدنية الديمقراطية.

وقال مراد علالة الإعلامي وهو يتحدث إلى مراسل ميدل ايست أونلاين إن "الشاهد فشل في نحت صورة له على أنه رجل دولة قوي يمارس صلاحياته بحرية دون استرضاء حركة النهضة".

ويضيف علالة أن من أسباب تراجع شعبية الشاهد هو خطابه الأخير الذي رأى فيه جزء من التونسيين أن رئيس الحكومة زج بنفسه في تصفية حسابات مع حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي للنداء والحال أنه رئيس سلطة تنفيذية قبل ان يكون ندائيا. وأظهرت عملية سبر الآراء أن اهتزاز شعبية السياسيين لم تتوقف عند أداء السبسي والشاهد وإنما طال تدني رضا التونسيين مختلف الشخصيات السياسية.

ويبدو أن تنفذه السياسي وسطوته من خارج مؤسسات الدولة لم يغفر لراشد الغنوشي اهتزاز صورته لدى غالبية التونسيين إذ كاد يأتي في ذيل قائمة الشخصيات التي يراها فيها المستجوبين أنها قادرة على قيادة البلاد بنسبة متدنية جدا لا تتجاوز 1.4 بالمئة.

ويرجع مراقبون تدني هذه النسبة إلى أن صورة الغنوشي العالقة في أذهان غالبية التونسيين هي صورة لا تعكس شخصية ديمقراطية تؤمن بالنشاط السياسي المدني.

ويرى المراقبون أن الخطاب العنيف الذي ينتهجه الغنوشي ومحاولة فرض الشاهد على التونسيين رئيسا للحكومة زاد في اهتزاز صورته المهتزة أصلا.

الغنوشي يدفع ضريبة مخاتلته السياسيةالغنوشي يدفع ضريبة مخاتلته السياسية

وقال علالة وهو يتحدث إلى مراسل ميدل آيست أونلاين "إذا كان 1.4 بالمئة من فقط من التونسيين يرون أن الغنوشي قادر على قيادة البلاد فهذا أن 98.6 يرفضون أن تقود البلاد حكومة إسلامية لتنفيذ مشروع الإسلام السياسي الذي يستهدف مدنية الدولة.

ولم يستأثر منصف المرزوقي الرئيس الأسبق سوى بنسبة رضا لا تتجاوز 5.2 بالمئة فيما استأثر حمة الهمامي فقط على نسبة رضا في حدود 3 بالمئة وهو ما يعني ضمنيا أن نسبة ثقة التونسيين في الجبهة الشعبية ومن ورائها العارضة تبقى متدنية نتيجة اكتفائها بالمعارضة للمعارضة وعدم تقديم بدائل برامجية مقنعة لبرنامج الحكومة.

وتستبطن اهتزاز شعبية السياسيين تدني ثقة التونسيين بشأن الشخصية القادرة على قيادة البلاد ما بعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2019 إذ قال 60.4 من المستجوبين إنهم لا يعرفون إلى حد الآن لمن سيمنحون أصواتهم وهو مايعكس تدني نسبة التفاؤل التي لا تتجاوز 63. 9 بالمئة حاليا بعد كانت في حدود 67 .4 بالمئة خلال شهر مارس الماضي.

وأظهرت الدراسة أن هناك نوعا من الارتباط بين اهتزاز شعبية السياسيين وجملة من المخاوف تساور التونسيين بشأن تردي الأوضاع الاقتصادية وحرية التعبير إذ قال 58.8 بالمئة من المستجوبين إن الأوضاع الاقتصادية ما انفكت تتدهور.

وتنسجم مواقف المستجوبين مع المؤشرات إذ لا تتجاوز نسبة النمو 2 بالمئة فيما بلت نسبة عجز الموازنة 6 بالمئة، وألقت المؤشرات الاقتصادية بتداعياتها الاجتماعي حيث بلغت نسبة التضخم نحو 7 بالمئة مما قاد إلى تدهور المقدرة الشرائية بنسبة 40 بالمئة وفق بيانات المنظمة التونسية عن الدفاع عن المستهلك. ويبقى العنصر الأكثر خطورة هو ارتفاع نسبة الذين يرون أن حرية التعبير باتت مهددة بنسبة 47.9 بالمئة حاليا مقابل 46.7 بالمئة خلال شهر مارس الماضي.

ويرى متابعون للشأن التونسي أن مثل هذه المؤشرات لا يمكن فهمها بمعزل عن بعضها البعض لأنها تمثل وحدة متكاملة تعكس مواقف اتجاهات الرأي العام تجاه أداء السياسيين ووعيهم بفشلهم في إدارة الأزمات التي تناسلت في البلاد.

ويتوقع مراد علالة الإعلامي أن "يأخذ اهتزاز شعبية السياسيين نسقا تصاعديا ما لم تخرج تونس من أزمتها وتركيز حكومة كفاءات برامجية تحظى بثقة التونسيين"