غليانٌ في المجتمع..

والبلادُ على المحكّ..

- فأين المعارَضَة البنّاءة؟

إن الموالاة فاشلة، بكل المقاييس.. والحاجَةُ إلى معارضة بناءة، تنقل إلى مركز القرار، كلَّ ما يجب أن يُعرف، من أجل معالجةٍ جذرية للمشاكلِ المطروحة..

لم نعُد نرى فرْقا بين المعارَضَة والحكومة.. كلتاهما تُحاربان المطالبَ الاجتماعية المشروعة.. كلتاهما تتآمران على السِّلْم الاجتماعي..

معارَضةٌ صورية، هدَّامة..

هذه المعارَضَة تضرُّ ولا تنفع.. وقد كان من المفروض أن تكون هي المحركُ إلى الانتباه للمَخاطر..

هي المحركُ للسلطات الدستورية: تشريعية، تنفيذية، قضائية.. لتجنيبِ بلادنا المخاطرَ المحدِقة بنا جميعا..

لكن المعارَضةَ مشلولة.. ميّتة..

حتى والمجتمعُ مُعارِضٌ لسياسة السلطةِ التنفيذية..

لماذا لم تتحرك المعارَضَة لإسقاطِ هذه الحكومة الظالمة؟ أليس بإمكانها تقديمَ ملتمس رقابة، لإرباكِ الحكومة، وإرغامِها على الاستجابة للحقوق الاجتماعيية المشروعة؟

ـ هل تتغيّرُ حكومةٌ بدون معارَضة؟

هل يحدثُ تغييرٌ في أي بلد، بدون معارَضة تقوم بواجبِ تأطير المواطنين؟

ـ لا تغيير، بدون معارَضة!

فأين هي المعارَضة؟

هي عندنا، ولكنها صورية.. متآمرةٌ هي الأخرى على المواطنين..

وبلادُنا في غليان..

والأخبار قد لا تصلُ كلها إلى من بيدِهم سلطة القرار..

وما يسمَّى معارَضة، لا يَنقل إلا ما تريد سلطةُ القرار أن تسمعه..

- وبلادُنا تغلي..

والمعارضة عاجزة عن خلق أفكار وبدائل، لإخراج البلاد من النفَق..

مُعارضتُنا هي الأخرى منفوخةُ البطن.. انتهازيةٌ مصلحية.. سائرةٌ في الاتجاه المعاكس لحقوقِ المجتمع..

نقاباتُنا كانت وما زالت نقاباتِ الباترونا..

والبلادُ تغلي..

ولا نقابة تَقرع أجراسَ الخطر المحدقِ بنا جميعا..

فأين المعارَضة التي ينص عليها الدستور، ومواثيقُ الديمقراطية في العالم؟

ـ اختفت المعارَضة..

هذا إذا كانت في الأصلِ موجودة..

أمَا وهي غيرُ موجودة، إلا بطريقة فلكلورية، فهذه ليست معارَضة.. هي مجردُ لعبة أطفال.. مَوقعية.. تموقعٌ «سينمائي» بين أطرافٍ مُخادِعةٍ منافِقة..

وقد انكشفَت اللعبة..

وتبيّن أن المعارَضة عندنا مجردُ تسمية لحزبٍ، أو تكتلٍ لا وجود له في الميدان.. تكتلٌ يَتمسرحُ على المواطنين.. يتَظاهرُ بما لا يفعل..

في الظاهر هو يعارِض، وفي العمق هو على نهجِ مَن يَحكمون.. وما تقوله الحكومةُ هو ما يَقع..

ولعبةُ المعارضة، تبقى مجردَ «مسرحية» في البرلمان..

ـ «سينما» أمام التلفزيون..

فُرجة لمن يَسمعون ويشاهدون..

وعلى أرض الواقع، لا فرقَ بين الحكومة والمعارَضة، كلتاهما على منهجية واحدة: التفقيرُ والتجهيل، لفائدة طُغيان البورجوازية التي توغَّلت إلى مراكز القرار، وتواطأت مع المعارَضة والحكومة، أي مع جناحيْن للحُكم، في النهار مُتناقضان، وفي الليل يَسهران معا، ويتبادلان المعلومات، ويتآمران على المواطنين..

ومع الطرفيْن المتآمِرين، تتموقعُ النقاباتُ لتُشكل مساهمةً في تأثيثِ ديمقراطيةٍ ليست ديموقراطية، بل فقط أضلُعًا لمثلّثٍ يقوم بعملٍ واحد، حتى ولسانُه ينطقُ بتعابيرَ أخرى..

التعابيرُ تختلفُ من طرف لآخر، والمضمونُ واحد..

أين الديمقراطيةُ بين أطراف ما هي إلا عابثةٌ بالوطن والمواطن؟

أين الديمقراطية، وكل الأطراف تقول ما لا تفعل؟ تقول ما هي متّفقةٌ عليه، وتفعل عكسَ مصالحِ الناس..

- وتبقى البلادُ بلا معارضة!

والسلطةُ التنفيذيةُ تَفعل ما تريد..

وكلٌّ من الأطراف المعنية، يشكل حُكما قائما بذاته.. يفعل بالناس نفسَ ما تَفعله الحكومة..

وكلٌّ نقابة تشكل صورةً من الحُكم.. تَحكم بمزاجها.. وتشكل في بساطِها غابةً متوحشةً يسودها «قانونُ الغاب»..

كلٌّ نقابة في شكلها دفاعٌ عن المستخدَمين، وفي الواقع تتواطأ مع الباترونا ضد المستخدمين..

قانونُ الغاب يسود كلَّ النقابات، وأحزابَ المعارضة، وأحزابَ التحالف الحكومي..

كلٌّها شبكة واحدة..

فيسفساءُ بألوان متنوعة، وفي الشكل متصارِعة، وفي الميدان هي ذاتُ سلوك واحد..

لا فرقَ بين حزب وآخر، ونقابة وأخرى، وحكومةٍ وأخرى..

هذه الطريقةُ استمرت في بلادنا عقودًا من الزمن، بدون أي اهتزاز.. واليوم قد وصَل إلى مسرح الأحداث، وبتلقائية، مجتمعٌ متعددُ العقلياتِ والظروفِ والأحوال، ويَضع الجميعَ في قفة واحدة..

- كلٌّكم مسؤولون عما حصَل!

التفقير كلٌّكم عنه مسؤولون! والتجهيلُ واللاصحّة واللاشُغل واللاحُقوق، كلٌّكم عنه مسؤولون!

والمجتمعُ يَدخل على الخ، ويخلط الأوراق..

ولم تَعُد عندنا معارضةٌ بالمفهوم الديمقراطي..

لا معارضة.. ولا حكومة..

كلتاهما في قفصِ اتهام واحد..

المجتمع يعِي ما هو فيه.. ويعِي ما تَفعلُه كلٌّ من الأطراف المتواطئة على توازنات البلاد..

والمجتمعُ بتلقائيته يصرخ ويصرخ، ويُقاطع ثم يقاطع.. وهذا هو سلاحُه النضالي الواحد..

ويتدخل «عباقرةٌ» لرسم خريطة جديدة، هي نفسُها بشكلٍ جديد، ولكن بنفس العقليةِ القديمة، أي الغلَبة لفئةٍ واحدة على حسابِ الحقوق الاجتماعية للأغلبية الساحقة من سُكان البلد..

وهذه الطريقة يستحيل أن تنجح، حتى ولو جَعلت الحُكمَ يربح بعضَ الوقت..

يستحيل استمرار طريقةٍ ماضيةٍ في مجتمعٍ يفكر بعقلية الحاضرِ والمستقبل..

المجتمع قد تطوَّر.. وأصبح يعِي ما كان يجهل..

التكنولوجيا الجديدة تضَع رهن إشارته كلَّ الخدماتِ الإليكترونية بالمجَّان..

وتفسحُ أمامه مجالاتٍ شاسعةً لتبادل المعلوماتِ والأفكار والآراء..

- قد تَكسبُون بعضَ الوقت، ولكنكُم بهذه الطريقة سوف تخسرون كلَّ شيء..

ابعِدُوا هذه الحكومة.. إنها وبالٌ على كلِّ البلد، هي وأخواتُها ورَبِيبَاتُها: الأحزابُ رالنقابات، عُمّاليةً كانت أو مِهَنية.. ابعِدُوها.. وسارِعُوا لبناء أحزابٍ ونقاباتٍ جديدة تُعبّرُ عن مَطامحِ الشعب..

- والمعارَضةُ ضَرورةٌ قُصوَى..

النقدُ ضرورة حتمية لكل بلدٍ يسعَى بالفعل لامتصاصِ الغضبِ الاجتماعي..

وبدون عطَاء، لا يمكن الأخذ.. وأنتم تُريدون أن تأخذوا كلَّ شيء، بدون أيِّ تنازُل.. هذه مهزلة.. حماقَة..

- ولا توازُن، بدون مُعارضةٍ بناءة..

والإبقاءُ على المعارَضة «السينمائية» الحالية، رهانٌ على مُعارَضَةٍ هدّامةٍ لا تُحقّقُ النقدَ الذي يقودُ إلى توازُن!

وبدون معارَضة فعَّالة، لا توازُن، ولا ديمقراطية، ولا حياة سليمة، آمنة، مستمرة..

- والمنتصِرُ واحدٌ هو: وَجَعُ الدّماغ!

 

أحمد إفزارن


 

ifzahmed66@gmail.com