هل كل من فتح حسابا على مواقع التواصل الاجتماعي، في "الفايسبوك" أو "إنستاغرام " أو "تويتر" أو غيرها، يعد من النخبة المثقفة ويصبح من المفكرين الأجلاء يفتي في كل المواضيع من نواقض الوضوء إلى السياسة إلى علوم الفضاء؟

لقد رأينا كيف تكالبت الغوغاء على عميد الشرطة الممتاز وهو يحرر محضر مخالفة لسائق دراجة ثلاثية العجلات مخالف لقانون السير والجولان، وكيف تألبت الغوغاء على معلم خريبكة وهو يتعرض في حجرة الدرس للذل والهوان وكيف أصدرت الغوغاء أحكاما مسبقة قبل الأوان.

إن الغوغاء أو الرعاع أو العامة أو السوقة أو الدهماء معروفة في تاريخ كل المجتمعات، والغوغاء تعني لغة الجلبة واللغط والضوضاء والصياح. وتعني اصطلاحا الرعاع من الناس، وسموا كذلك لكثرة لغطهم وصياحهم، وتحت معناها يندرج الهمج والسفلة من الناس والمتسرعين إلى الشر.

وهكذا انتقلت الغوغاء من الأماكن العامة، من الساحات العمومية والأسواق، إلى العالم الافتراضي ناقلة جهلها المتعدد، عبر وسائط التواصل لتنشره بين الناس كالطاعون..

ومن صفات الغوغاء كذلك التسرع في إصدار الأحكام دون تفكير وسهولة الانصياع والانقياد.. لذلك سميت بالدهماء كالدابة التي يمتطيها الدهاة، للوصول إلى تحقيق مآربهم ومصالحهم.

إن ما يحصل اليوم من تداول لأفكار مغلوطة ومشوهة وأحيانا عارية من الحقيقة لأمر من الخطورة بمكان في مجتمع تقليدي محافظ مثل المغرب.

وإذا كانت لمواقع التواصل الاجتماعي إيجابيات كتبادل الأفكار الخلاقة والتواصل الفعال بين الأفراد والمجموعات فإن لها كذلك مفعولا عكسيا حين يتم استخدامها من الجهلة كمنصات لنشر العنف اللفظي والأكاذيب والمغالطات؛ كمن أفتى بجواز صيام المريض والطفل والمرأة الحامل في رمضان، وكمن أجاز للغوغاء إقامة شرع اليد وتغييب دور الدولة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

عبد الرحمان شحشي*


 

*أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق – جامعة الحسن الأول بسطات.