تؤدي الأمة المسلمة فريضة شهر رمضان المبارك لسنة 2018 و القدس الشريف قد صار بعد سبعين سنة من الصراع عاصمة واقعية لدولة إسرائيل المُسْتَحْدَثَة .

 و مع صدمة واقع النكبة الجديدة التي تعلن انهيار حلم الدولة الفلسطينية و عاصمتها القدس الشريف ، نجد أن كرونولوجيا خسارة القضية انطلق مسلسلها التاريخي بوقائع مفصلية منذ سنة 1948 : عام إعلان الاعتراف الأممي بقيام دولة اسرائيل .

ثم كان اندحار المشروع الناصري الذي جمع الأمة العربية من أجل رمي إسرائيل في البحر الأحمر ، لتكون النكبة الصاعقة سنة  1967 حيث ضاعت حدود أرض فلسطين بعد أن توغلت اسرائيل في صحراء سيناء . و أصبحت دولة مصر – بعد ذلك - مجبرة على الاعتراف بدولة اسرائيل  مقابل استعادة أراضيها الحدودية فقط !، فجاءت معاهدة سلام كامب ديفيد شارحة للعرب معنى نصر حرب أكتوبر سنة 1973.

هكذا سنكتشف بوضوح أن الثابت الوحيد في معادلة الصراع هو ضياع أرض شعب فلسطين  رويدا رويدا ، فبعد نجاح انتفاضة الحجارة التي أحيت الأمل الفسطيني في تغيير أرقام الصراع  جاءت معاهدة أوسلو بمسلسل سلام غير مفهوم. حيث وقَّع الطرف الفلسطيني على صك الاعتراف بوجود دولة اسرائيل ككيان قانوني له الحق القانوني في الحياة ، و رضي نفس الطرف بمكسب السلطة على أراضي معزولة عن بعضها البعض  شكلت أرخبيل السلطة الفلسطينية من جزيرة الضفة الغربية إلى جزيرة قطاع غزة.

طيلة هذه المرحلة من الصراع لم تنقسم دولة اسرائيل المُسْتَحْدَثَة الى شطرين متناحرين رغم وجود اختلافات داخلية بين مكوناتها ،  لأن الهدف الذي يُوَحِّد قادتها هو إجماعهم على تحقيق معتقد " الأرض الموعودة للشعب المختار" أو بلغة أكثر علمية إجماعهم على المصلحة العليا لدولة اسرائيل المُسْتَحْدَثَة ، لكن السلطة الفلسطينية تشتت شملها و ظهر قادة الطوائف الذين أضاعوا القضية بين فتح الضفة و حماس غزة.

 كما أن  صعود المشروع الإخواني السياسي - فيما اصطلح عليه زورا و بهتانا بالربيع العربي - كان مقدمة تمهيدية لحلول النكبة الجديدة و التي أعلنت سقوط شعار مسيرات الصحوة الإسلامية الموعودة  التي لم تدخل بيت المقدس  كما دخله المسلمون أول مرة .

إن ضياع القدس الشريف ما كان لِيَتِمَّ لولا الإنقسام الداخلي بين الفصائل الفلسطينية اللاهثة وراء سراب الهيمنة السياسية و التي لم تعتمد مبدأ النأي بالقضية عن مخاتلات الصراع الإقليمي المتغيرة .

 فالقدس الشريف يشكل  قبلة مقدسة جامعة لقلوب و صلوات المسلمات و المسلمين و ليست أيديولوجيا سياسوية  جعلت  من القضية الفلسطينية ورقة قابلة للتوظيف قصد تحقيق مكاسب بعيدة عن  حقيقة الصراع .

لقد " شاءت إرادة " الرئيس الأميركي ترامب أن تتحلى بالشجاعة السياسية و تُعلن انتصار دولة إسرائيل  المُسْتَحْدَثَة عبر التوقيع على قرار نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس ! .

لأن الرئيس الأميركي الحالي لم يؤشر على قرار جديد بل هو قرار قديم حان زمن تنفيذه بعد أن تشتت شمل دول الطوق العربي المحيطة باسرائيل المُسْتَحْدَثَة  ، و احتلال إيران لكل من دولة لبنان و دولة  سورية العربية ! 

إن اعتماد الواقعية السياسية  في التحليل يفيد بأن الولايات المتحدة الأميركية  - باعتبارها دولة " عظمى " حامية لإسرائيل المُسْتَحْدَثَة -  وضعت القدس الشريف و كل الموروث الإسلامي  تحت تصرف حكومة تل أبيب بشكل " نهائي " ، كخطوة حاسمة تسبق الحديث عن قيام دولة فلسطينية محدودة دون امتداد استراتيجي لأنها ستكون دولة فاقدة لحق الوصاية و الإشراف على مقدسات أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم السلام .

و يبقى السؤال المحير هو التالي : أين ميليشيا فيلق القدس التابعة لقوات النظام الإيراني المتواجدة  بأراضي خطوط الغاز في سورية العربية المُتاخمة لحدود دولة إسرائيل؟!

و لماذا لم تتحرك  جمهورية إيران الإسلامية دفاعا عن القدس الشريف رغم أن منصات صواريخها الباليستية لا تبعد إلاَّ بضع أمتار على خطوط التماس مع اسرائيل ؟!

 

هكذا يجب أن تتذكر الأجيال الصاعدة أنَّ المسلمات و المسلمين لم يستطعوا  الحفاظ على أرض إسراء النبي محمد السراج المنير ، و ذلك ليس لقِلَّتِهم بل لأن الفلسفة الرقمية تؤكد أن عدد المليار قد يساوي قراره صفرا لأن الأصفار المُشَكِّلَة له بعيدة كل البعد عن مُعَامِل الموقف الواحد.



عبد المجيد مومر الزيراوي