بتاريخ 16 ماي 2018، صدر قرار لوزير الداخلية رقم 1528.18 يقضى بتوقيف مجلس جهة كلميم- وادنون وتعيين لجنة خاصة، وهو القرار المنشور في الجريدة الرسمية عدد 6675 بتاريخ 21 ماي 2018.

ينطلق القرار في بناء حيثياثه القانونية من الفقرة الثانية من الفصل 89 من الدستور، ومن المادة 77 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات. أما على مستوى الوقائع فيستند القرار الى رفض مجلس الجهة التصويت بالإيجاب على جل النقط المدرجة بجدول اعمال الدورات خلال 2017 وكذا السنة الجارية 2018، والى ما ترتب على هذه الوضعية من اختلال واضطراب في السير العادي للمرافق والمصالح التابعة لمجلس الجهة وتأخر إنجاز المشاريع المبرمجة من طرفه، واخيرا الى حالة الاستعجال التي تتطلبها غنهاء هذه الوضعية التي تعوق السير العادي لمصالح الجهة.

القرار يشمل ثلاث مواد، الأولى تهم توقيف مجلس الجهة بصفة مؤقتة لمدة ستة (6) أشهر، قابلة للتمديد لنفس الفترة عند الاقتضاء، وذلك تطبيقا لأحكام الفقرة الأولى من المادة 77 من القانون التنظيمي المتعلق للجهات، المادة الثانية تهم تعيين لجنة خاصة مكلفة بتصريف الأمور الجارية لمجلس الجهة برئاسة والي الجهة وعضوية خمسة (5) أعضاء، وذلك تطبيقا لأحكام الفقرة الرابعة من المادة 77 من القانون التنظيمي المذكور، أما المادة الثالثة والأخيرة من القرار فتستند تنفيذه إلى والي جهة كلميم- وادنون.

وقبل أن ينشر نص القرار في الجريدة الرسمية، كان قد صدر في شأنه بلاغ لوزير الداخلية، قدم إضاءات إضافية حول خلفيات القرار، خاصة منها الإشارة الى تقرير مفصل حول وضعية الجهة كان قد رفعه والي جهة كلميم-وادنون الى وزير الداخلية، ملتمسا من خلال اتخاد الاجراءات اللازمة لوضع حد للوضعية التي يعرفها المجلس المذكور والتي تهدد مصالحه وتمس بحسن سيره.

البلاغ سابق الذكر، لايزال يثير الكثير من النقاش السياسي والقانوني، بشكل يوضح الموقع المركزي الذي باتت تحتله قضايا الديمقراطية المحلية والبناء الجهوي داخل اهتمامات الرأي العام الوطني.

من جهة اخرى يرتبط هذا النقاش بالطبيعة التأسيسية لهذه الولاية الترابية لمؤسسة تبحث عن مساحة جديدة لأدوارها ووظائفها، داخل نسيج معقد من العلائق، والشركاء، والتمفصلات القانونية والتدبيرية والسياسية، ووسط هندسة مؤسسية تحتاج الى الوقت والتراكم والاجتهادات لضبط إيقاع اشتغالها.

أوجه النقاش القانوني، خارج منطق التجاذبات السياسية للأطراف المباشرة المعنية بالمجلس المذكور، ارتبطت بمحاولة قراءة مرجعيات قرار التوقيف، لتصل الى حدود الجدل حول أساسه القانوني من زاوية مدى إمكانية الحديث عن إجراء التوقيف داخل القانون التنظيمي المتعلق بالجهات.

في هذه الملاحظات السريعة حول القرار الأخير لوزير الداخلية، نقف على مرجعياته، مستعرضين حضور إجراء التوقيف داخل النص القانوني المحدد للجهوية، قبل التطرق الى ما نعتبره مصدرا مباشرا لتعدد القراءات حول موضوع "التوقيف"، وهو بالأساس الصياغة التشريعية المعيبة لبعض مقتضيات القانون التنظيمي رقم 14-111.

أولا: في مرجعيات قرار التوقيف.

قرار وزارة الداخلية يستند إلى مرجعية دستورية وقانونية:

تتمثل المرجعية الدستورية في أحكام الفقرة الثانية من الفصل 89 من الدستور التي تنص على أن الحكومة تعمل تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين. والإدارة موضوعة تحت تصرفها.

تتمثل المرجعية القانونية في أحكام الفقرتين الأولى والرابعة من المادة 77من القانون التنظيمي رقم 14-111 المتعلق بالجهات:

تنص الفقرة الأولى على أنه "إذا وقع توقيف أو حل مجلس الجهة أو إذا استقال نصف عدد أعضائه المزاولين مهامهم على الأقل، أو إذا تعذر انتخاب أعضاء المجلس لأي سبب من الأسباب، وجب تعيين لجنة خاصة بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، وذلك داخل أجل أقصاه خمسة عشر (15) يوما الموالية لتاريخ حصول إحدى الحالات المشار إليها."

تنص الفقرة الرابعة على أنه "تنحصر صلاحيات اللجنة الخاصة في تصريف الأمور الجارية، ولا يمكن أن تلزم أموال الجهة فيما يتجاوز الموارد المتوفرة في السنة الجارية".

ثانيا: هل يتضمن القانون التنظيمي للجهات إجراء التوقيف؟

القانون التنظيمي رقم 14-111 المتعلق بالجهات حدد أربع حالات موجبة لتعيين لجنة خاصة لتصريف الأمور الجارية للجهة، يترأسها والي الجهة الذي يمارس بهذه الصفة الصلاحيات المخولة لرئيس مجلس الجهة، وتتمثل هذه الحالات في:

توقيف المجلس.

حل المجلس.

استقالة نصف عدد أعضاء مجلس الجهة المزاولين مهامهم على الأقل.

تعذر انتخاب أعضاء مجلس الجهة لأي سبب من الأسباب.

القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، حدد بعض المقتضيات ذات الصلة بمسطرة إجراء التوقيف من خلال:

التنصيص على وجوب تعيين لجنة خاصة بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية داخل أجل أقصاه خمسة عشر (15) يوما الموالية لتاريخ التوقيف، وهذا ما قد يفترض إمكانية صدور قرار واحد يتضمن في نفس الآن التوقيف وتعيين اللجنة الخاصة.

التنصيص على انتهاء مهام اللجنة الخاصة، في حالة التوقيف، بانصرام مدة هذا التوقيف.

ثالثا: الجدل حول "التوقيف"، مسألة حكامة ام مسألة تشريع؟

في الصيغة الأصلية التي أحيل بها مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، على مجلس النواب لأول مرة، كانت المادة 76 تفترض في حالة رفض المجلس بالأعمال المنوطة به، أو رفض التداول واتخاذ المقرر بالميزانية أو تدبير المرافق التابعة للجهة، أو إذا وقع اختلال في سير المجلس، تقديم الرئيس لطلب الى السلطة المكلفة بالداخلية، لتوجيه إعذار الى المجلس للقيام بالمتعين، وإذا رفض المجلس القيام بذلك، أو إذا استمر الاختلال بعد مرور شهر، أمكن للسلطة المكلفة بالداخلية اتخاذ أحد الإجرائين التاليين:

- توقيف المجلس لمدة ثلاثة أشهر بقرار معلل ينشر بالجريدة الرسمية؛

- إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية من أجل حل المجلس..

بعد النقاش العام الذي عرفه المشروع –أساسا داخل لجنة الداخلية والجماعات الترابية بمجلس النواب- والذي ذهب في اتجاه تثمين التطور المؤسسي على مستوى الرقابة الإدارية، وتقوية دور القضاء الإداري في تدبير العلاقة بين الجهة و السلطة المكلفة بالداخلية ، وبعد وقوف النواب في لحظة النقاش التفصيلي على مقتضيات المادة 76 ،على ضرورة الاحتفاظ فقط بإجراء الاحالة الى المحكمة الإدارية ،وهو ما انعكس على تعديلات المقدمة من طرف فرق الأغلبية و فرق المعارضة، والتي التقت - بصدد المادة 76- على حذف إجراء التوقيف، وهو التعديل الذي حظي بموافقة وزير الداخلية وبإجماع اللجنة، لتصبح في الأخير صيغة المادة 76 بالشكل الذي سيظهر في الصيغة النهائية للقانون التنظيمي، حيث تم الاحتفاظ باجراء واحد هو إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية .

في المقابل، سيصوت النواب بالإجماع –داخل اللجنة- على مقتضيات المادة 77، التي إحتفظت بالتوقيف كحالة موجبة لتعيين لجنة خاصة بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية. نفس الملاحظة تنسحب تماما على حالة المادة 75 من القانون التنظيمي رقم 14-112 المتعلق بالعمالات والأقاليم، والتي لم يتم ملاءمتها مع إلغاءإجراءالتوقيف في المادة 74.

على العكس من ذلك، كان قد أفضى النقاش المتعلق بالقانون التنظيمي رقم 14-113المتعلق بالجماعات، الى ملاءمة المادة 74 التي تنص على تعيين اللجنة الخاصة (والتي لم تعد تتحدث على حالة التوقيف)، مع التعديل الوارد على المادة 73 المتعلق بإلغاء إجراء التوقيف.

المسار التشريعي الذي عرفه القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، جعل إجراء التوقيف محاطا بغير قليل من الالتباسات، على مستوى سلطة الاختصاص، المدة، والمسطرة.

لذلك قد يطرح حضور إجراء التوقيف داخل القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، بعض الملاحظات المتعلقة بهيكلة هذا النص ،أو بأثر التعديلات التي مست المادة 76 في الصيغة التي أحيل بها المشروع على مجلس النواب لأول مرة ،أو بمدى ملاءمة الإجراء لفلسفة المشرع، أو بحدود انسجام أحكام هذا القانون التنظيمي مع المقتضيات الموازية الحاضرة في القانونين التنظيميين المتعلقة بكل من الجماعات، ثم العمالات والأقاليم، حيث كانت قد تمت الملاءمة في أحدهما دون الأخر، بين حذف إجراء التوقيف و بين المادة الموالية المحددة لمسطرة تعيين اللجنة الخاصة.

لكن كل هذه الملاحظات سواء تلك المرتبطة منها بجودة التشريع وانسجام الصياغة، أو بالتقدير السياسي لملاءمة النص مع بعض غايات الديمقراطية الترابية، لا يمكنها نهائيا أن تحجب حقيقة الإقرار المبدئي داخل القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، بإجراء التوقيف كأحد الإمكانيات القانونية التي تحتفظ بها السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، في علاقة مع الجهة.

وفي النهاية يظل الأمر متعلقا بقرار إداري قابل لفحص شرعيته من قبل القضاء، وهو ما من شأنه تعزيز التمرين الديمقراطي المرافق لمسار البناء الجهوي، وإغناء مرجعيته المعيارية بأوجهها التشريعية والقضائية، وهو ما قد يجعل القاضي الإداري مثلا في هذه الحالة منشئا لقواعد قانونية جديدة مكملة لمقتضيات التشريع ذات الصلة بتأطير إجراء التوقيف كواحدة من ممكنات العلاقة بين المجلس الجهوي المنتخب وبين الحكومة بصلاحياتها المتعلقة بضمان السير العادي للمرافق والمصالح التابعة للجهات.

حسن طارق

*رئيس شعبة القانون العام بجامعة محمد الخامس