في مراحل العمر المختلفة، تمثل شريحة الشباب أهم مصادر القوة والحيوية في حياة الشعوب، فهي بمثابة المخزون الاستراتيجي الذي تلجأ إليه الأمة في أوقات الأزمات والصراعات التاريخية، وهي مصدر الإبداع والتجديد والإحلال والتغيير في تطور المجتمعات، وهي التي ستؤول إليها مسئولية تشكيل صورة المستقبل وصناعته. ولا يمكن تصور مجتمع يستمر فيه جيل واحد بدون تغيير، لأنه سيتحول حينئذ إلى مجتمع محكوم عليه بالجمود والموت، يفتقر إلى الإبداع والابتكار والتجديد في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. تخمد حيويته، وتتبدد طاقاته، وتذوى في أشكال مختلفة من الفساد والتعفن والتحلل.

فالشباب يعد أحد أهم الركائز الأساسية والرئيسية في أي مجتمع، فإذا كانوا اليوم يمثلون نصف الحاضر فإنهم في الغد سيكونون كل المستقبل، ومن هذه القاعدة جاء القول بأن الشباب عماد المستقبل وبأنهم وسيلة التنمية وغايتها، فالشباب يسهمون بدور فاعل في تشكيل ملامح الحاضر واستشراف آفاق المستقبل، والمجتمع لا يكون قويا إلا بشبابه والأوطان لا تبنى إلا بسواعد شبابها، وعندما يكون الشباب معدا بشكل سليم وواعياً ومسلحاً بالعلم والمعرفة فإنه سوف يصبح أكثر قدرة على مواجهة تحديات الحاضر وأكثر استعدادا لخوض غمار المستقبل.

لذلك نجد جميع الأمم والشعوب تراهن دوماً على الشباب في كسب رهانات المستقبل لإدراكها العميق بأن الشباب هم العنصر الأساسي في أي تحول تنموي ديمقراطي سواء أكان سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، فهم الشريحة الأكثر حيوية وتأثيرا في أي مجتمع، والحديث عن الشباب في مجتمعنا العربي هو حديث عن الحاضر

والمستقبل الذي يزخر بتحولات سياسية مهمة تنتقل بشعوبنا إلى آفاق واسعة لارتياد المستقبل وتحدياته ومتطلباته التنموية والديمقراطية .

ومرحلة الشباب هي في عمر الإنسان، مرحلة الفعل والإنجاز وتحقيق الذات لو انتقصنا منها مرحلة الطفولة من ناحية، ومرحلة الشيخوخة من ناحية ثانية. فمرحلة الطفولة التي تمتد إلى سن المراهقة، وينقصها الوعي والإدراك والنضج وتحمل المسئولية. ومرحلة الشيخوخة التي قد تتوافر لديها الحكمة وخلاصة التجارب، ولكن تنقصها القوة والقدرة على المبادرة والتحمل. وفي رأي بعض المفكرين أن كلا من الطفولة والشيخوخة هي مراحل انتظار وترقب، انتظار الشباب والنضج بعد الطفولة، وانتظار الموت بعد الشيخوخة، حيث تصبح حياة الإنسان مجرد وجود على الأرض في حالة انتظار.

وفي النظم الديمقراطية في الغرب، حيث انتهى عصر الثورات الوطنية والتغيرات المفاجئة، والانقلابات العسكرية، والانتفاضات الطبقية، يعتبر الشباب هو الحامل الطبيعي لعوامل التغيير والتجديد في المجتمع، باعتباره أكثر الفئات حساسية للتغيرات والتحولات، وأكثرها استعداد لخوض التجارب وتحمل نتائجها، والتمرد على القوالب السائدة ومحاولة صياغة قوالب جديدة، خصوصا في عصر العولمة واقتصاد السوق وسيادة أنماط مغايرة من العلاقات الاجتماعية والرؤى الفكرية والثقافية.

أما في عالمنا العربي، فالصورة معكوسة، فحسب تقرير "التنمية الإنسانية العربية للعام 2016: دور الشباب وآفاق التنمية واقع متغير" الذي أصدرته الأمم المتحدة، تحدث عن مختلف التحديات والفرص التي تواجه الشباب بعد سبع سنوات من بدء الاضطرابات العربية التي بدأت احتجاجا على االبطالة والقمع وكبت الحريات. وينطلق التقرير من حقيقة أن جيل الشباب الحالي يمثل أكبر كتلة شبابية تشهدها المنطقة على مدى السنوات الخمسين الأخيرة، إذ إنهم يمثلون 30 في المائة من سكانها الذين يبلغ عددهم 370 مليون نسمة. وبإمكان هذه الطاقة البشرية تحقيق طفرة حقيقية ومكاسب كبيرة في مجالي التنمية، وتعزيز الاستقرار، وتأمين هذه المكاسب على نحو مستدام. ولكن مثل هذه النتيجة يستدعي إصلاحات على ثلاثة مستويات حسب التقرير، الأول يرتبط بالسياسات الناظمة للعقد الاجتماعي بين الدولة ومواطنيها وهيكلة الاقتصاد الكلي وتوسيع الفرص المتاحة للجميع، بمن فيهم الشباب. أم الثاني فيركز على السياسات القطاعية ولاسيما في مجالات التعليم والصحة والتوظيف... لتوسيع نطاق حريتهم في الاختيار. والثالث والأخير يتناول السياسات الوطنية المعنية مباشرة

بالشباب، والتي ينبغي أن تتجاوز نهج إيجاد الحلول لتضمن مشاركة سياسية أوسع في وضع السياسات العامة ومراقبة تخصيص الموازنات وتعزيز التنسيق بين الجهات كافة ومتابعة التنفيذ والتقدم نحو إنجاز الأولويات.

إن الصورة المحزنة للشباب العربي في المقابل، هي الرغبة العارمة والكامنة لدى ألوف الشباب في الهجرة إلى الخارج، والنابعة من انعدام الثقة، وعدم تصديق ما يقال، واتساع الهوة بين جيل الكبار والشباب، وغياب القدوة، وانتشار المحسوبية والزبونية والبيروقراطية، ومشاعر المرارة من تعسف السلطة، وانعدام الحرية داخل الجامعات والمعاهد، والإحساس بأن آفاق المستقبل تضيق بهم وعليهم، تجعلهم يفكرون منذ البداية في انتهاز الفرصة للخروج من أوطانهم بحثا عن المستقبل في مزيد من التحصيل العلمي، وتحقيق الذات. هذه الأحلام التي تراود أي شاب عربي يمتلك ولو قدرا قليلا من الطموح والرغبة في تحقيق أحلامه، وهم يرون في البلاد الأخرى، أن التفوق القائم على امتلاك القدرات الذاتية والاجتهاد في البحث، يلقى الاعتراف والتقدير، بغض النظر عن القرابة أو الجنس أو الدين، ودون ما حاجة إلى التصفيق والنفاق والتفنن في المداهنة والمراءاة، أو الانتماء إلى الحزب الأول أو شلة المستفيدين.

إن أكثر ما يثير القلق، هو أن الذين يقومون على وضع استراتيجيات للشباب، لا يفكرون إلا في الاهتمام بتيسير ممارسة الأنشطة الرياضية والشبابية، وتلقينهم المبادئ والدروس التي تخدم النظام، وهم يعلمون علم اليقين، أن للشباب أفكاره ومناهجه وطريقة تفكيره، وأنه أكثر اقترابا من الواقع ومن روح العصر من آبائهم، والمشكلة أننا في حاجة إلى تنشئة جيل جديد يتوافق مع المتغيرات، ويتحمل المسئوليات. والأهم من ذلك أن نفسح له الطريق، وأن نكف عن الإفراط في حمايته وتدليله، ومحاصرته بالممنوعات والترهيبات، فيوما ما سوف يفلت الشباب من قبضة الحصار والتضييق.



يونس مليح