مرة أخرى تسرّب الإدارة الأميركية خبرا مفاده أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب يعتزم الإعلان عما أسماه «صفقة القرن» الشهر القادم في ما يشبه إبرة تخدير أخرى تحاول الولايات المتحدة الأميركية بواسطتها حرف الأنظار عن الحرائق الحقيقية في المنطقة، والتي من أهم أسباب اندلاعها السياسة الخرقاء التي اتبعها ترامب، اذا ما جاز التعبير، بشأن القضية الفلسطينية وإعلانه مواقف معادية للشعب الفلسطيني وحقوقه، خاصة فيما يتعلق بالقدس واللاجئين والاستيطان غير الشرعي في الأراضي المحتلة، مما أكد للقاصي والداني أن الصفقة التي تحدث عنها ترامب وصاغها طاقمه الموالي لإسرائيل والصهيونية ليست سوى محاولة أميركية لفرض إملاءات على الشعب الفلسطيني وشعوب الأمتين العربية والإسلامية تنسجم مع الأطماع التوسعية للاحتلال الإسرائيلي وتشبع نهم يمينه الاستيطاني التوسعي لمزيد من الأراضي والهيمنة على حساب الحقوق المشروعة لشعبنا.

إن ما يجب أن يقال هنا أولا أن أية صفقة أو خطة أو مبادرة لتحقيق السلام والأمن بالمنطقة لا بد وان تتعامل مع القضية المركزية التي شكلت منذ عقود طويلة أساس الصراع العربي الإسرائيلي وقضية الأمتين العربية والإسلامية المركزية. وهي القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي غير المشروع للأراضي الفلسطينية والعربية، وعلى أساس مقررات الشرعية الدولية سواء مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو ما تعارف عليه المجتمع الدولي باسم خطة خريطة الطريق وحل الدولتين.

كما أن أية خطة أو مبادرة لا تأخذ بالاعتبار الموقف الفلسطيني صاحب القضية بالحسبان وتلتزم بتلبية حقوقه المشروعة لن يكتب لها النجاح، ومن الأجدر بكل من يحاول القفز عن الجانب الفلسطيني والترويج للحلول الإقليمية ومحاولة فرض حل على الشعب الفلسطيني وقيادته أن يعيد دراسة التاريخ كي يدرك أن كل تلك المحاولات المماثلة الأميركية أو الاسرائيلية تحطمت على صخرة صمود وإرادة الشعب الفلسطيني المدعوم بالشرعية الدولية وبالغالبية الساحقة من دول وشعوب العالم.

وإضافة لكل ذلك، فان أي طرف يطرح خطة أو مبادرة لتحقيق السلام لا يمكنه بأي حال من الأحوال التصرف بحقوق الشعب الفلسطيني وكأنها ملكية خاصة له يعطيها لمن يشاء فالشعب الفلسطيني وبمؤسساته التمثيلية وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية ممثله الشرعي والوحيد، هو صاحب الحق في تقرير مصيره والتحدث باسمه وقبول أو رفض أي اقتراح بقدر ما ينسجم او لا ينسجم مع حقوقه المشروعة.

وللأسف الشديد فان كل ما سبق من مبادىء وأسس متعارف عليها دوليا قد داسه ترامب بفظاظة، معتقدا أو واهما انه يستطيع ان يفرض ما يريده اليمين الأميركي والإسرائيلي تحت يافطة السلام، ومعتقدا او واهما أن الشعب الفلسطيني الذي قدم كل هذه التضحيات الجسام على طريق انتزاع حريته واستقلاله قد يخضع لجبروت القوة أو إغراءات المساعدات المالية وغيره من الضغوط.

ولذلك نقول أن ما أعلنته الإدارة الأميركية بشأن قرب إعلان مبادرتها لم يعد يهم الشعب الفلسطيني وقيادته بعد أن أثبتت واشنطن انها لم تعد وسيطا يمكن التعامل معه واختارت معاداة الشعب الفلسطيني وحقوقه، وقد قال شعبنا وقيادته ومؤسساته التمثيلية ومختلف فضائله «لا» واضحة بشأن موقف هذه الإدارة الأميركية من عملية السلام ومن حل القضية الفلسطينية .

وفي المحصلة وبعد ان قال العالم العربي والإسلامي كلمته بدعم فلسطين ومطالبها العادلة ورفض مواقف ترامب، فان من الأجدر بهذه الإدارة الأميركية إعادة النظر في مواقفها بدل الرهان على مقترحات من الواضح سلفا أنها ستفشل ولن تحقق الأمن والسلام، بل أن مؤشراتها باتت واضحة في أنها وصفة لزيادة التوتر ودفع المنطقة نحو الانفجار.

يا جبل ما يهزك ريح

البيان الذي أصدره د. سعيد سراحنة، المدير الطبي للمستشفى الاستشاري، وأكد فيه ان صحة الرئيس محمود عباس مطمئنة وان الفحوصات التي أجراها امس جيدة اثر العملية الجراحية التي اجتازها قبل أيام في الأذن الوسطى، هذا البيان إضافة إلى تأكيدات عدد من القيادات الفلسطينية بأن صحة الرئيس مطمئنة يضع النقاط على الحروف ويسد الطريق أمام كل الجهات المعادية وفي مقدمتها الاحتلال الإسرائيلي الذي حاول سابقا ويحاول حاليا ترويج الشائعات حول صحة الرئيس في إطار حربه النفسية ضد الشعب الفلسطيني وقيادته وعلى رأسها الرئيس محمود عباس التي وقفت بصلابة وشجاعة في وجه كافة المخططات التي تحاول تصفية القضية او الانتقاص من حقوق شعبنا المشروعة.

ومما لا شك فيه ان الرئيس محمود عباس الذي كرس سنيّ حياته في النضال من أجل فلسطين وشعبها بدءا من مشاركته مع الرئيس الراحل ياسر عرفات وإخوانهما في إطلاق ثورة شعبنا المعاصرة لنيل الحرية والاستقلال مطلع عام ١٩٦٥ ومرورا بسنوات النضال الطويلة حتى اليوم ومواجهته لسياسة الاحتلال وموقفه الشجاع والحكيم في مواجهة الدولة العظمى الأولى في العالم عندما تجرأ رئيسها ترامب على محاولة المس بالحقوق الثابتة لشعبنا، ونضاله السياسي والدبلوماسي الذي رسخ اسم فلسطين في المجتمع الدولي هذا الرئيس المناضل، بشر كأي إنسان أيضأ، يحمل كل هذه الهموم ويواجه كل هذه الضغوط ويبقى صامدا واضعا فلسطين وشعبها نصب عينيه، ولذلك ليس غريبا ان يدخل المستشفى او ان يجرّي فحوصات دورية كأي إنسان.

وهنا، ونحن متيقنون من أن الرئيس بصحة جيدة ويواصل أداء مهامه في قيادة نضال شعبنا، فأننا نؤكد أولا شجبنا لكل الشائعات التي يحاول أعداء هذا الوطن ترويجها، ونتمنى للرئيس عمرا مديدا كي يواصل قيادة شعبنا نحو تحقيق أهدافه الوطنية المشروعة في الحرية والاستقلال، وكما قال رئيسنا الراحل أبو عمار نقول اليوم للرئيس أبو مازن ولشعبنا «يا جبل ما يهزك ريح».