غادرتنا الإعلامية الأمازيغية حادة عبو في صمت ودون اهتمام إعلامي يليق بمقامها، ووري جثمانها الثرى دون أن تتطرق إلى موضوع وفاتها جل المواقع الإلكترونية، التي لا "تفلت" لا كبيرة ولا صغيرة، مخلفة وراءها حزنا في نفوس محبيها وعشاق صوتها على أثير الإذاعة الأمازيغية.

رحيل الصحافية حادة بعد صراع طويل مع المرض، يجهله الكثير من "مدمني الإنصات إلى صوتها القوي على الراديو بين جبال الأطلس في برامج كانت تعدها منذ عقود، برامج ذات مواضع متنوعة ومتعددة، تهدف من خلالها وعبرها إلى تثقيف وتوعية "إيمازيغن"، وذلك بتسليطها الضوء عليها ومعالجتها بطريقة بسيطة وعميقة في الآن ذاته، مع استضافة فنان أمازيغي ليسرد قصة حياته المهنية وبداية مشواره الفني للتعريف به لدى عموم الجمهور من "إمسفليدن" (المستمعين)، مستمتعين بمقطوعات أمازيغية هادفة.

ولعل الغريب في الأمر أن وفاتها تزامن مع رحيل صحافية أخرى بقناة من قنوات القطب العمومي في صباح يوم وحيد، ماريا لطفي مديرة القناة الثقافية الرابعة بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، هذه الأخيرة، تغمدها الله برحمته الواسعة، استأثرت باهتمام القنوات العمومية وبمواقع إخبارية عديدة، حتى انتشر نبأ وفاتها كالنار في الهشيم، على عكس الأستاذة حادة التي قُدر لها أن تودعنا دون أن يعلم برحيلها جل "إيمازيغن" أنفسهم، فبالأحرى المغاربة قاطبة، فقط لأن لسانها أمازيغي وعريق عراقة التاريخ.

وقد خلفت الإذاعية عبو إرثا ثقافيا لاماديا غنيا وأرشيفا أمازيغيا لا يستهان به، يستحق "أرشفته" والحفاظ عليه من الاندثار والزوال، للتعريف بإنجازات الصحافية الراحلة، وإيلائها الاهتمام اللازم ولو بعد وفاتها، لأنها بتعبير عبد الله البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، كانت من الجيل الرائد الذي ساهم في تسريع وتيرة تنزيل القناة الأمازيغية في الإعلام العمومية، وبالتالي يعود لها الفضل في جزء مما حُقق في الإعلام الأمازيغي العمومي.

ومهما تحدثنا عن مناقب الراحلة من خصال وأخلاق حميدة لن نوفيها حقها، بالنظر إلى العطاء الذي كان ينبع منها، مؤثثة المشهد الثقافي والفني المغربي عامة، والأمازيغي على وجه الخصوص.

ومع اشتدادي عودي، والإنصات إلى جانب الوالدة إلى الإذاعة الأمازيغية بعد الزوال، اكتشفت امرأة حديدية اسمها حادة عبو، عرفتها صوتا، لكني كنت حينها أجهلها صورة، صوتها كان فريدا من نوعه، تحس فعلا بأنك تنصت إلى الراديو عبر أثيره ومشوشات الصوت حينها قبل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي اليوم.

ومن ضمن الجوائز التي حظيت بها حادة طيلة مشوارها المهني، هناك الجائزة الوطنية للإعلام، عن الإعلام الأمازيغي بالإذاعة الوطنية سنة 2004، التي منحها لها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، علاوة على الجائزة الوطنية للصحافة التي تمنحها وزارة الاتصال في صنف الإذاعة الأمازيغية.

ولا يسعنا في الأخير إلا أن نقدم أحر التعازي للأسرة الإعلامية عامة، والأمازيغية خاصة، ولأسرتها الصغيرة والكبيرة على وجه التحديد، بهذا المصاب الجلل، وأن ندعو الله أن يتغمد الفقيدة برحمته الواسعة.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

ياسين أوشن