لا أمل لإيران في ما يعرضه الأوروبيون عليها من أفكار تشجيعية في الإفلات من العقوبات الأميركية المفروضة عليها. اللعبة لا تنطلي عليها، غير انها مضطرة للتماهي معها رغبة منها في انتظار وقوع معجزة.

الإيرانيون يعرفون كما الأوروبيون أن الأوقات الصعبة قادمة لا محالة. فالرئيس الأميركي لن يتراجع عن شروطه التي هي أكبر من أن تقبلها إيران بعد أن أتاح لها الاتفاق النووي الكثير من القدرات التي كانت مقيدة قبله.

سيتضرر الجانبان، الأوروبي والإيراني. غير أن الضرر الأوروبي سيقتصر على الشركات التي تورطت في العمل في دولة، تحوم حول نظامها الشبهات، فيما يتعدى الضرر الإيراني ذلك الجانب الاقتصادي ليصل إلى الجانب السياسي ومن خلاله إلى كل نواحي الحياة التي ستصاب بالشلل إذا ما عجزت إيران عن تصدير نفطها. وهو ما تنظر إليه أوروبا بشيء من الراحة.

موقف أوروبا في جوهره لا يختلف عن الموقف الأميركي.

فالشرطان اللذان عرضتهما المستشارة الألمانية انجيلا ميركل من أجل تطوير الاتفاق النووي يشكلان قاعدة للموقف الأميركي.

ينص الشرطان على أن تتوقف إيران عن تدخلاتها في دول المنطقة وتكف عن دعمها وتمويلها للجماعات والأحزاب المتهمة بالإرهاب مثل حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي اليمنية وفي الوقت نفسه عليها الكف عن الاستمرار في برنامجها لإنتاج وتطوير الصواريخ البالستية.

لقد حاولت الولايات المتحدة عن طريق وسطاء أن تستكشف الموقف الإيراني من الشرطين المذكورين قبل الانسحاب من الاتفاق النووي غير أن الموقف الإيراني لم يكن إيجابيا.

ربما حاول الإيرانيون أن يحذو حذو كوريا الشمالية التي أدارت صراعها مع الولايات المتحدة بالاستعانة بلغة التهديد. أغرى نجاح كوريا الشمالية إيران في الوقع في فخ، هي أضعف من أن تقوى على الخروج منه.

كل شيء مختلف إذا ما تمت المقارنة بين الحالتين.

لقد هيأ الاتفاق النووي لإيران وضعا اقتصاديا مريحا لم تستفد منه إلا على مستوى زيادة نفوذها في المنطقة ونشر ميليشياتها الطائفية وتهديد الامن والاستقرار في دول لم تبادلها العداء.

أخطأ الإيرانيون في تقديراتهم حين رفعوا لغة الخطاب إلى المستوى الذي بدوا من خلاله كما لو أنهم مستعدون لتحمل تبعة مرحلة ما بعد الغائه وهم يراهنون في سرهم على أن الولايات المتحدة لن تلجأ إلى التخلي عن الاتفاق.

كان رهانهم في غير محله وصار على المرشد الاعلى للثورة الإيرانية أن يبلع تهديداته ويصمت باحثا عن نصائح الخبراء المختصين الذين يدركون جيدا أن العقوبات المنتظرة سيكون تأثيرها أقسى من تأثير العقوبات التي كانت مفروضة على إيران قبل توقيع الاتفاق النووي.   

ما حدث بسبب الاتفاق النووي من انتعاش اقتصادي نسبي لا يمكن التخلي عنه كما لو أنه لم يكن. لقد جرب الإيرانيون معنى أن يكون بلدهم مرضيا عنه من قبل الغرب وهم ليسوا مستعدين لتحمل تبعات نبذه ثانية.

أوروبا التي تسعى إلى انقاذ شركاتها لا تملك سوى أن تعرض بهدوء وعلى مرأى من الشعوب الإيرانية شروط العودة إلى المفاوضات من أجل الإبقاء على الاتفاق النووي.

في تلك الحالة تبدو أوروبا كما لو أنها وسيط غير مكلف بين طرفين ليسا متكافئين. فإيران المصدومة بالانسحاب الأميركي من الاتفاق تخلى زعماؤها عن لهجتهم التصعيدية وبدأوا في البحث عمَن يعنيهم في الخروج من ورطتهم غير المتوقعة.

ولأنهم يعرفون أن أوروبا لن تمد لهم حبل نجاة إلا من خلال تنسيق مع الإدارة الأميركية التي تبدو أنها عازمة على المضي في فرض حصار مشدد على الاقتصاد الإيراني فإنهم سيلجئون في القريب العاجل وقبل أن تدخل العقوبات حيز التنفيذ إلى التعامل مع أوروبا باعتبارها وسيطا مباشرا.

حينها سيسعى الأوروبيون إلى استثمار ذلك الإذعان من أجل فرض شروطهم التي سيوافق عليها الإيرانيون غير أن ذلك كله لن يكون مقنعا بالنسبة للجانب الأميركي. وهنا تكمن المفاجأة الصادمة التي لن تقوى دولة الولي الفقيه على مواجهتها.

كما أتوقع فإن الاتفاق النووي صار بالنسبة للولايات المتحدة جزءا من الماضي. وإذا ما أرادت إيران أن تستعيد ربيع ذلك الاتفاق فإن عليها أن توقع اتفاقا جديدا هو عبارة عن إعلان لاستسلامها لكل ما تفرضه الولايات المتحدة من شروط.

حينها ستنفجر الفقاعة التي دمرت أمن المنطقة واستقرارها بـ"زعرانها" المسلحين إيرانيا ويظهر النظام الإيراني على حقيقته كيانا سياسيا منافقا في إمكانه أن يبيع الخميني ووصاياه التوسعية مقابل البقاء في السلطة.

فاروق يوسف