الكثيرون ممن شاهدوا آخر حلقة من برنامج “ضيف الأولى” الذي تقدمه قناة “دار البريهي”، استغربوا للطبيعة غير المسبوقة إعلاميا لهذه الحلقة، فالضيف غير الضيوف الذين دأبت القناتان العموميتان على استضافتهم، ومواضيعها غير المواضيع التي ألف المشاهدون متابعتها.

الضيف هذه المرة، ليس من جسم السياسة ولا الفن أو الثقافة، ولا ممثلا للمجتمع المدني أو عالم رجال الأعمال، بل الناطق الرسمي باسم المديرية العامة للأمن الوطني، ولذلك أثارت حلقة البرنامج استغراب وفضول المشاهدين.

استغراب المشاهدين سرعان ما تبدد وتحول إلى إعجاب بشخصية الضيف الذي امتلك ناصية البلاغة والبيان، وأتقن فن الحوار على امتداد فترات البرنامج بأسلوب سلس، تجنب فيه لغة الخشب وأسلوب المزايدة الذي أفسد العديد من حلقات البرامج الحوارية، وأفرغها من محتواها الطبيعي.

حقيقة، تفاجأ الجميع بالمستوى الرفيع لثقافة بوبكر سابيك الناطق الرسمي باسم المديرية العامة للأمن الوطني، والذي توفق في محو الصورة النمطية التي ظلت ملازمة لهذه المؤسسة وعالقة في الأذهان، وأقنع في تقديم الخطوط العريضة للاستراتيجية الأمنية، وحصيلة المنجزات بالأرقام والمعطيات، وبطريقة بدا فيها الرجل هادئا ورزينا، يجيب على أسئلة منشط الحلقة في حدود ما يقتضيه الجواب عن السؤال، بدون تمطيط في الكلام أو حشوه بالإطناب.

هكذا خرج بوبكر سابيك مطلا على المغاربة ليضعهم في صلب محاور الاستراتيجية الجديدة لمؤسسة الأمن الوطني، ورهاناتها الجديدة في ظل تحديات المرحلة التي تقتضي ترسيخ أسس الحفاظ على النظام العام، في انسجام مع مقتضيات وضوابط القانون. ولذلك حرص الرجل على إيصال رسالة أساسية للمواطنين، عنوانها البارز والعريض هو: لا تنمية بدون أمن ولا أمن بدون احترام حقوق الإنسان.

هذه العلاقة الجدلية بين التنمية وحفظ الأمن من جهة وبين حفظ الأمن واحترام القانون وحقوق الإنسان من جهة أخرى، التي تشكلت على أساسها العقيدة الأمنية الجديدة، بدأت تعطي ثمارها في أنسنة الشرطة وجعلها شرطة مواطنة في خدمة الوطن والشعب.

في الختام، ونحن نتمنى أن يكون الكثير من أهل السياسة قد استفادوا من هذه المنهجية الرصينة في التواصل، وخصوصا بعض الوزراء الذين ينفرون الناس من الاهتمام بقضايا الشأن العام أكثر مما يحببونهم فيه. نحيي كل أفراد أسرة الأمن الوطني في الذكرى الثانية والستون لتأسيسها، ونرفع القبعة لمديرها العام عبد اللطيف الحموشي الذي تمكن في ظرف وجيز لا يتعدى الثلاث سنوات من تطوير أداء المؤسسة الأمنية وتحديث طرق اشتغالها، والأكيد أن كفاءة هذا المسؤول لا نقاش فيها بعد أن نجح في  تدبير مديريتين عامتين على درجة عالية من الأهمية.

والأكيد كذلك أن المغاربة ليسوا وحدهم من شهدوا بجدبة وكفاءة الحموشي بل تجاوزت سمعته حدود الوطن، فقد تم توشيحة من طرف فرنسا وإسبانيا بأعلى أوسمتها الوطنية وتكفي شهادات المسؤولين الأجانب وخصوصا الأوروبيون منهم التي أثنت على قدراته وكفاءته العالية في هذا السياق ومن ضمنها شهادة وزير الداخلية الفرنسي بيرنار كازينوف الذي قال في حق المصالح الأمنية التي يشرف عليها عبد اللطيف الحموشي، “الدور الذي تلعبه المصالح الأمنية المغربية ظاهر للجميع، والكل يعرف فعاليته”.