"يوم تاريخي عظيم" هكذا ترنّح بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، احتفالا بافتتاح نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، نتنياهو كان في الدرجة القصوى من الفرح والسرور والانتشاء، وهو يردّد كلام "قوّاد" المافيا الصهيونية ترامب الذي اختار أن يُبارك للمسلمين حلول شهر رمضان بالطريقة الأمريكية، سيرا على خطة سلفه جورج بوش الذي بارك عيد الأضحى بإعدام الرئيس صدام حسين فجر يوم العيد سنة 2006.

نتنياهو وصف ترامب بــ "صانع التاريخ" وراعي السلم الحقيقي الذي يستحقه "الشعب المختار" لا السلم المزيف الذي يساوي بين الراعي والغنم، موجها له أحلى عبارات الغزل والشكر والمدح والثناء، لشجاعته وجرأته على التحقيق الفعلي للحلم الإسرائيلي الذي أجّله رؤساء أمريكا السابقين، وأنجزه ترامب الوكيل الحصري لتركيع الحكام العرب.

صناعة وهندسة التاريخ وتأثيثه بالرموز الثقافية الكبرى هو ما يشكل عمق الهوية الحضارية لكل شعب، مما يجعل الاغتصاب الإسرائيلي للقدس هو استكمال للمشروع الصهوني في طمس الهوية العربية لفلسطين، واستبدالها بالهوية اليهودية، لأن القدس ليس مجرد مكان وأرض وفضاء، بل هو رمز هوياتي وجذور ثقافية وفضاء لتعايش الحضارات والأعراق والهويات.

هذه الأطروحة لا يؤمن بها نتنياهو، أطروحة حوار الحضارات، إذ لم يُفوِّت الفرصة للبوح بمكبوناته الحِقْدية، مُذكرا بتصفية المقاومة الفلسطينية (الشجاعةالصامدةالرائعة) لشقيقة الكبير يوناتان نتنياهو سنة 1976، ويوناتان هو أحد أبرز الوجوه العسكرية الدموية، وسجلاته التاريخية الإجرامية تؤرخ لعشرات المجازر التي تحمل قتله المتسلسل الوحشي البارد، عدا مشاركته في عدوان حرب أكتوبر وحرب الاستنزاف، هكذا سيصرح نتنياهو أن مسألة الثأر لأخيه من الفلسطينيين هي مسألة شخصية، بل هي صميم مشروعه السياسي، بمعنى أن رئيس وزراء إسرائيل يعلن دون مُواربة مكيافيلية أن التنكيل بالفلسطينيين وقتلهم وإبادتهم هو الغاية الأساسية لممارسته السياسية.

في مقالة للأديب والشاعر نزار قباني عنوانها: من أجل حصان أعود إلى الكتابة، موقعة بتاريخ 0991977، بعد أن قاطع الكتابة سنتين، يصف الزمن العربي بالرداءة والقبح والحزن والانتحار، يقول "يبدو الوطن العربي أمامي على الخريطة كناقة مذبوحة يسيل دمها من الخليج إلى المحيط".. سالت اليوم دماء المقاومة الزكية بغزة، عشرات الشهداء ومئات الجرحى.. سقط القناع.. لا إخوة لك يا أخي.. لا أصدقاء.. صدق الشاعر الفيلسوف محمود درويش، يقول:

"حاصِر حصارك لا مفر..

اضرب عدوك لا مفر..

سقطت ذراعك فالتقطها.. واضرب عدوك لا مفر..

وسقطت قربك فالتقطني.. واضرب عدوك بي..

فأنت الآن حرٌ وحرٌ وحرٌ..

قتلاك أو جرحاك فيك ذخيرة فاضرب بها، اضرب بها عدوك..

أنت الآن حرٌ وحرٌ وحرٌ..".

الكيان الإسرائيلي يُوجِّه عتاده الحربي المتطور، من دبابات وطائرات ومروحيات.. تقصف الفلسطينيين من السماء والأرض، والحكام العرب يوجهون أسلحتهم ضد بعضهم وضد شعوبهم .. وقائمة المآسي أكبر من أحزاننا، الصومال دُمِّرت، الصومال شُتِّتت، والسودان مُزِّقت.. والذُّلُّ والمهانة علامة تجارية للعبودية في الوطن العربي.

القبائل العربية لم تعد تخجل من التطبيع العلني مع المجرم الإسرائيلي، وتقديم الجزية بملايير الدولارات لراعي العهر السياسي ترامب، الذي أدرك أن الأنظمة العربية انتقلت من مرحلة الإنهاك إلى مرحلة التدمير الذاتي، وهي مرحلة الرجل المريض، حيث تعيش معظم الشعوب العربية ترسانة ضخمة من الأزمات، بدءا بالفقر والجوع والجهل والمرض والبطالة والبؤس.. دون أن أذكِّر بمأساة مسلمي بورما الذين يتعرضون لإبادة جماعية وتطهير عرقي.. وهو ما تقوم به إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني، بينما تحتضن معظم الدول العربية فعاليات مصيرية في عرض الأزياء والترفيه عن النفس بعد قرون من انشغالها بالبحث العلمي والابتكار والإبداع والاختراع وتكريس الديمقراطية والقضاء على الفساد.

ألم يكن حريا أن يُسخِّر التحالف العربي مساعداته لأبناء الوطن الكبير، وأن يُصوّب سلاحه تجاه المجرم الإسرائيلي الخطير؟؟؟

 

نورالدين برحيلة