1-الحدث الأخير الذي شهدته بلادنا، والمتعلق بالتدخل الإيراني عبر حزب الله في شأن وحدتنا الترابية، كما أكدته وزارة الخارجية والتعاون الدولي، يدعونا مرة أخرى إلى التفكير، وبشكل أكثر وضوحا وقوة، في موضوع التشيع في بلادنا، سواء بمعناه السياسي أو العقدي؛ وذلك من خلال العناصر التالية، في تقديري: 1_ تعتز بلادنا بكونها تمتلك نموذجا من التدين المغربي، يزاوج بين احترام الثوابت المذهبية والفقهية (العقيدة الأشعرية، المذهب المالكي، إمارة المومنين، تصوف الجنيد) وبين متطلبات المعاصرة والتحديث. وبفضل هذا النموذج يسلم الوطن والمواطنون من جميع أشكال التطرف، ودواعي العنف. والمؤكد أن اقتراح فكرة إعادة هيكلة الحقل الديني على أعلى مستوى جاءت لتأكيد هذا المسار، وإعادة ترتيب مرجعيات، ومكونات المشهد الديني في بلادنا.

2- إن المشهد الديني في بلادنا يضم عدة مكونات، بغض النظر عن حجمها الكمي، وكلها تتطلب القراءة الصحيحة، والهادئة، والتفاعل الإيجابي البناء، بما يفيد في تطور البلد، وتعزيز مكتسباته في هذا الميدان؛ وأبرز هذه المكونات هي: المكون السني الرسمي للبلاد، بتجلياته الاجتماعية المختلفة، والمكون السلفي، بتداعياته المتنوعة، والمكون الصوفي، ومكون الإسلام الحركي، والمكون الشيعي، موضوع حديثنا في هذا المقال.

3- المؤكد الآن أن على بلادنا أن تفصل المقال في موضوع التشيع، بشكل يفضي بالمواطنين إلى امتلاك رؤية واضحة، ودقيقة، وعالمة حول الموضوع، إذ الملاحظ أن الحديث عن التشيع في بلادنا يكتنفه الكثير من الغموض والتردد، ومقارباته عموما تتراوح بين مسلكيات يمكن تحديدها في ما يلي: إما الإهمال وعدم الاعتراف، أو الاختزال المسف، أو الهجوم غير المبرر علميا وواقعيا، وكلها مقاربات لا تفي بالغرض، لأنها تفتقد الروية والنجاعة.

4- من ثم على الجهات الوصية على الحقل الديني، في بلادنا، أن تضطلع بدورها العلمي في تبيان حقيقة التشيع، وتوضيح الفرق بين محبة آل البيت، والانتساب إليهم، وبين معتقدات الشيعة، واختلافها عن عقائد أهل السنة، بأسلوب يروم التوضيح الكافي، والبيان الشافي، حتى يفقه الناس حقيقة الفروق الموجودة بين ما هم عليه وبين ما عليه مخالفوهم من الشيعة، بمختلف فرقهم؛ فلم يعد الأمر يحتمل المزيد من الصمت، وعدم الاهتمام، وإلا فإن شبكات التواصل الاجتماعي تتولى المهمة، وبشكل يفسد أكثر مما يصلح.

على المؤسسة الدينية، وكل الفاعلين الدينيين الآن، أن يكونوا في مستوى اللحظة، ويقوموا بتوضيح كل ما يلزم توضيحه في هذا الموضوع، درءا لكل خطر قادم أو محتمل، لاسيما والأمر هذه المرة حمل تهديدا لوحدة البلد، وأمنه واستقراره.

5- ومما يجب توضيحه من قبل فقهاء الفكر والسياسة والقانون أيضا معنى التشيع في شقه السياسي، عبر مساره التاريخي، والذي أصبح يعني الآن تصدير الثورة، من خلال احتضان وتحريك وتمويل أقليات شيعية لأغراض سياسية، غايتها البعيدة ارتهان البلد المعني بالعملية لإيران عبر بوابة ما يسمى ولاية الفقيه. 6_ حين إنجاز هذه الخطوات، لن يضيرنا بعدها وجود مواطنين لهم اقتناعات شيعية، ذات طابع عقدي فقهي، أو جمعيات تختار الاشتغال عبر هذا المسار، مادامت تحترم قوانين البلد، ومؤسساته، وسيادته الكاملة؛ فهذا مما يعضد ديمقراطيتنا الفتية، ويساهم في توضيح الصورة، وبالشكل الصحيح.


 

ابراهيم أقنسوس