تشاء سخرية الدهر أن أتقدم إليكم معالي السيد رئيس الحكومة الموقر بطلب تمكيني وأبنائي وأبنائهم مهما نزلوا من رخصة استغلال ماء البحر تحت الاسم التجاري "ماء سيدي البحر". وأحيطكم علما السيد الرئيس أن فكرة الحصول على رخصة الاستغلال الحصري لماء البحر راودتني مند زمن قريب، وبالضبط لما علمت أن جميع مياه العيون قد تكرمت الحكومات المتعاقبة برخص استغلالها على مواطنين أمثالي، لمدد تقارب القرن قابلة للتجديد. وتؤكد المعطيات الحصرية أن مياه الأنهار والوديان فوتت بطرق أخرى لا علم لي بها، وبقي ماء البحر، بالطبع دون محتوى أعاليه الذي فوت أيضا. وأرجو أن يكون لسبقي في وضع هذا الطلب خير شفيع لي عندكم.

سيدي الرئيس، وحتى تكونوا على علم بجدوى المشروع وأصالته، أقدم بين يديكم نتائج دراسة شاملة تضمن النجاح الباهر للمشروع.

فمن حيث أصالة الفكرة، فثقافتنا المغربية غنية بحكم عظيمة حول ماء البحر، لكن أعظمها على الإطلاق، والتي ستعود بالنفع على المغاربة جميعا، وعلى صحتهم النفسية بالخصوص، الوصفة التراثية العظيمة في علاج ارتفاع مرض "طلوع الدم"، وهو مرض خطير يقترن، كما تعلمون علم اليقين، بالغضب، والاستياء، والتوتر، والتذمر..والخطير في هذا المرض أن معظم أسبابه تعود إلى الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية. والوصفة الطبية التراثية، كما تعلمون سيدي الرئيس، في معالجة "طلوع الدم"، هي باختصار "شرب البحر!"؛ لذلك ففكرة المشروع الجديد سيدي مؤصل لها في تراثنا الثقافي، ومن شأن تحويل الفكرة إلى مشروع اقتصادي المساهمة الفعالة في حماية وتعزيز الرأسمال اللامادي للمغاربة، بما فيه هويتنا التي أصبحت تتقاذفها أمواج المحيط الأطلسي.

ومن حيث الجدوى الاجتماعية، فالمشروع سيدي الرئيس، وفي ظل تفاقم المؤشرات السوسيو اقتصادية، والتي تساهم بشكل فعال في "طلوع الدم"، سيلعب دورا حيويا في تحقيق "السلم الاجتماعي" الذي تنشده الدولة وجميع الحكومات المتعاقبة، كما سيساهم أيضا في استقرار الأسر الذي يعتبر داء "طلوع الدم" من أكبر تهديداته. وسيساهم المشروع في خلق مناصب الشغل وامتصاص البطالة بشكل غير مسبوق؛ ذلك أنه سيتشكل من شبكة من مراكز توزيع مياه "سيدي البحر" في كل مناطق المغرب، وعلى مستوى كل مدينة وقرية، ما يعني مئات الآلاف من مناصب الشغل القارة؛ ناهيك عن مناصب الشغل الموسمية، وخاصة في الصيف وعند بعض المناسبات، مثل الدخول المدرسي، ورمضان الكريم، وعيد الأضحى المبارك...

ومن حيث الجدوى السياسية، واعتبارا للدور السحري لـ"ماء سيدي البحر" في التخفيف من "طلوع الدم" والتحكم فيه، وبالتالي التقليل من ردود الفعل الغاضبة، فمشروع "ماء سيدي البحر" مشروع إصلاح سياسي في ظل الاسترخاء وليس الاستقرار فقط. ومثل هذه المشاريع أصبحت ملحة اليوم في ظل اندلاع "الحراك الشعبي" الغاضب هنا وهناك، وفي ظل التوترات التي أصبحت تستحكم في الشباب، والذين رفض عشرات الآلاف منهم مشروع "العمل بالعقود" في الوظيفة العمومية، وكذلك الشباب الذين يحسون بـ"الحكرة"، وغيرهم من أصناف التهديدات التي تترصد السلم الاجتماعي؛ وبالتالي فهذا المشروع من شأنه سيدي الرئيس إضعاف فرص عودة بنات "20 فبراير" وشبيهاتها، وهذا وحده أمر كاف لانخراطكم في هذا المشروع بجدية وفاعلية.

ومن حيث الجدوى الاقتصادية، فالمشروع سيدي الرئيس ناجح بنسبة لا تستوعبها الرياضيات، فالحاجة إلى ماء "سيدي البحر" متفاقمة، وتكفي معرفة علاقتها بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للوقوف على حجم الطلب الاستثنائي. ومن جهة أخرى فالمشروع أصيل لا نعلم له مثيلا في العالم. ويمكن تصدير منتوجات "ماء سيدي البحر" لكل الدول بدون استثناء، ما يعني أن الطلب سيكون عظيما سواء في السوق الداخلية أو على مستوى السوق العالمية. وإذا استحضرنا "البركة" التي تتولد من رحم "الاحتكار" ستدركون بسهولة سيدي ماذا يعني أن تمكنني من رخصة احتكار "ماء سيدي البحر" وطنيا ودعمي لاحتكارها عالميا أيضا، وهو ما يعني فتح باب عظيم لدخول العملة الصعبة لخزينة الدولة. والأمر الثاني سيدي أن المغرب يتوفر على واجهتين بحريتين بآلاف الكيلومترات، كما أن البحار لا حدود مادية بينها، ما يعني أننا سيدي بهذا المشروع سنحتكر رخصة استغلال ماء كل بحار العالم. وبناء على كل هذا، ولصعوبة ضبط حسابات المشروع الفلكية، فالخبراء طوروا خوارزميات تضاهي تلك التي يعتمدها "فايسبوك". والسعر الذي نقترحه سيدي الرئيس سيكون في متناول الجميع، فدرهمان ونصف، التي يشترى بها الحليب من الفلاحين، قبل إعادة بيعه للمستهلكين بسبعة دراهم، هي ما سنقترحه للقنينة الواحدة، والتي ستكفي المستهلك في اليوم. ولا أعرف أسماء الأرقام التي تعبر عن أرقام المعاملات السنوية، فهي أرقام من صنف (10X) !

إن المشروع سيدي الرئيس ستكون له، على أرض الوطن، نقط توزيع منتشرة في كل مناطق المغرب تربط بينها شبكة وطنية تضمن تزويدها بالماء 24/24، وعلى المستوى الخارجي سيمد المغرب كل دولة بأنبوب رئيسي لتزويد محطة رئيسة تتفرع عنها شبكة وطنية. إنها سيدي الرئيس فكرة ستحاكي شبكة التواصل الاجتماعي فايسبوك على أرض الواقع، وربما سكون صمام الأمان للدول مما تسببه تلك الشبكات الافتراضية لداء "طلوع الدم".

وعلى مستوى التواصل والاشهار، فالمشروع سيعرف نجاحا استثنائيا ليس فقط لكونه سيسد حاجة متفاقمة، بل لأنه يستعمل خطابا شعبويا بسيطا، فالحملات الإشهارية لن تتجاوز، سيدي الرئيس، شعارين اثنين، الشعار الأول يقول "واش طالع ليك الدم؟ إواعليك بماء سيدي البحر"، وهو شعار يعرفه المغاربة جميعا، والثاني سيدي الرئيس يقول "قاطع أو لا تقاطع سيدي البحر فارضو الواقع"، ولك أن تتخيل سيدي أغنية من هذه الكلمات!

سيدي الرئيس، إن الدراسة التي أجريناها ودامت مئات الثواني، أكدت أن أول زبون مضمون لـ"ماء سيدي البحر" بعد المعطلين، هم القطاعات الحكومية والإدارات العمومية، فتخيل نفسك سيدي الرئيس وعلى مكتبك قنينة ماء بارد من "ماء سيدي البحر"، وتخيل الضغط الذي تعيش عليه يوميا، وتخيل نفسك "تقلقل" قنينة من الحجم الصغير بعد كل مكالمة هاتفية، وبعد كل إطلالة على تقرير، وبعد كل كلمة في اجتماع... وتخيل كم من قنينة سوف تستهلكها في اليوم والشهر؟ وتخيل حاجة وزرائك، وكل العاملين في الادارات، وخاصة في التعليم والصحة !

إننا سيدي الرئيس أمام مشروع يعتبر في الحقيقة "إكسير الحياة" السياسية والاجتماعية، وهذا من الخلاصات الأساسية للدراسة؛ ورغم ذلك، ومساهمة منا في عدم التشويش على "السلم الاجتماعي" وفي إنجاح "التغيير في ظل الاستقرار"، قررنا، إذا مكنتمونا من رخصة احتكار استغلال ماء البحر، ألا نعلن هذا الأمر وأن نبقيه سرا، وذلك كي لا ينفر المواطنون، خاصة "سخان الراس"، من شرب "ماء سيدي البحر".

وفي الأخير سيدي الرئيس، وبعد أن استعرضنا باختصار شديد جدوى إخراج مشروع "ماء سيدي البحر" إلى الوجود باستعجال، نهمس في أذنك أن المشروع سيخفف الضغط الكبير الذي تعيش عليه السلطوية حاليا، فحملة المقاطعة سيدي أثارت أعصابها بشكل غير مسبوق. ويعلم الجميع أنكم اليوم بين سندان المقاطعة التي تهدد زواج المال والسلطة، وبين مطرقة السلطوية وعصابتها من رجال المال والأعمال. وقد يدفع "طلوع الدم" السلطوية إلى ارتكاب حماقات جديدة مثل "مسيرة ولد زروال" و"البلوكاج المشهور"، لذلك فالنصيحة الحيوية، في انتظار التفضل بالتأشير على طلب الرخصة الحالي، هي أن تشرب السلطوية البحر، كل البحر!


حسن بويخف