بدعمها العلني للمغرب في قرار قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران، تكون الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي، قد منحت الرباط نصراً دبلوماسيا على الجزائر. الأزمة الدبلوماسية المغربية مع إيران ثلاثية، ضلعها الثالث هو الجزائر ومن المفروض أن تشملها التداعيات.
لكنه في الواقع انتصار دبلوماسي منقوص، لأنه معنوي فقط ومؤقت وتكتيكي ومبتور ولا فائدة من ورائه.
أكيد أن انحياز الكيانات الثلاثة يزعج السلطات الجزائرية، لكن الأخيرة تدرك، في الوقت ذاته، أنه موقف بلا أثر ملموس على مصالحها.
عزاء الجزائر أن دعم الجهات الثلاث للمغرب يحمل في طياته بوادر عدم جديته. فهو صادر عن كيانات بلا روح تقريبا وعديمة التأثير في السياسات الدولية والإقليمية: الجامعة العربية ميِّتة منذ أكثر عقود، لكنها ترفض الاعتراف بموتها. منظمة التعاون الإسلامي وُلدت ميتة منذ يومها الأول ولا يوجد مَن ينتظر منها شيئا أكثر من بيانات موسمية لا يقرأها أحد. مجلس التعاون الخليجي منقسم في العمق، بسبب الأزمة الخليجية، ويعاني من شلل قاده إلى فقدان أيَّ تأثير محتمل له.
نقطة الضعف الأخرى في الدعم الذي حصل عليه المغرب، أنه صادر عن كيانات تتحكم فيها السعودية بشكل كامل. والأخيرة ليست حاليا في وضعية أخلاقية تؤهلها لبلورة مواقف نزيهة ومقنعة. فالمملكة تعمل وفق خطة وضعتها لنفسها، كي تمنحها في نهاية المطاف هيمنة على العالمَين العربي والإسلامي السُنّي. هذه الخطة دفعت «السعودية الجديدة» إلى خوض حروب وصراعات عدة، حقيقية ووهمية، داخلية وخارجية. أشدُ هذه الصراعات ذلك الذي تخوضه المملكة ضد إيران. وشراسة الصراع مع طهران تدفع الرياض إلى البحث المستمر عن حلفاء وداعمين مستعملة شتى الطرق والأساليب. من الطرق المحتملة، الضغط على الحكومات والدول. ومن الدول التي تتعرض للضغط، المغرب، لأنه يشبه دول الخليج، وهو تقليديا قريب بدبلوماسيته ومواقفه في قضايا المنطقة وأزماتها من السعودية والإمارات، على عكس الجزائر. 
لكن نقطة الضعف الأكبر في الأمر كله، تكمن في منطلق الأزمة. باستثناء السعودية ومَن ضمَّتهم إليها في حربها مع إيران، ليس من السهل إيجاد مَن يصدِّق مزاعم المغرب حول دعم حزب الله وإيران للبوليساريو بالسلاح والتدريب. لعل هذا ما يبرر أن الموقف المغربي لم ينل دعم قوى كبرى مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا وأمريكا.
باندفاعه في معاداة إيران بدا المغرب وكأنه يُكفِّر (للسعودية) عن عدم انخراطه في تحالف الحرب في اليمن بشكل كامل وصريح. لذلك ستبقى مزاعم الرباط صعبة التصديق ما لم توفر إجابات صريحة على أسئلة ملحة، أبرزها: لماذا الصمت كل هذه الفترة على التورط المفترض لحزب الله وإيران؟.
مع الإقرار بأن لا منطق في السياسة والعلاقات الدولية، يبدو حزب الله أبعد ما يكون عن نزاع الصحراء الغربية، لأسباب موضوعية. فعلاوة على غرقه في المستنقع السوري المكلف له بشريا وماديا، لا يمتلك الحزب، ومن ورائه إيران، مصالح حيوية في المغرب. ولا يملك عمقا بشريا قريبا منه دينيا أو طائفيا أو ثقافيا. الأصح أن الحزب يحافظ على المغرب الذي قد يشكل نقطة عبور له من غرب أفريقيا نحو أوروبا والشرق الأوسط (المغرب اعتقل في أذار/مارس 2017 قاسم تاج الدين رجل حزب الله المطلوب أمريكيا وسلمه لواشنطن على متن طائرة خاصة في أقل من أسبوع وبلا تحقيق أو محاكمة).
ناهيك عن أن «قضية الصحراء» خسرت منذ عقود حرب العلاقات العامة والدعم الدولي، وانتهى المطاف بجبهة البوليساريو معزولة بلا دعم إلا من دول أفريقية فقيرة ومحدودة العدد.
لكن بما أن «الموضة» الآن هي العداء لإيران، كان سهلا على المغرب الالتحاق بالموجة، والتهمة معلّبة وجاهزة عند الحاجة: دعم انفصاليي البوليزاريو. فذلك قد يجلب للرباط مكاسب داخلية وخارجية منها التنفيس عن أي احتقان داخلي، والتنصل من الالتزامات الدولية تجاه موضوع الصحراء، ولو إلى حين، وكذلك ضمان مكان تحت مظلة المعادين لإيران، وعلى رأسهم واشنطن والرياض. 
على الرغم من العزلة التي قد تبدو فيها الدبلوماسية الجزائرية بعد «الموقف الثلاثي»، لم يظهر عليها ارتباك. مردُ ذلك إلى ثقة الجزائر في أن الكيانات الثلاثة لن تؤذيها، لا كتكتل ولا فرادى. كما قد يعود إلى ثقة الجزائر في أن السعودية لن تفتح معها جبهة مواجهة، ولن تذهب معها في عداء صريح على الرغم من كلّ ما يفرّق البلدين سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا (الخلافات في موضوع النفط والإنتاج والأسعار.. السعودية لديها سوابق في الإضرار بمصالح «أوبك»، والجزائر من المدافعين عن الأخيرة). كما أن نجاح الجزائر في الحفاظ على علاقات متوازنة مع أغلب الأطراف الإقليمية، إيران، السعودية، مصر، تركيا، قطر، الإمارات، ومع الكيانات الملحقة بالدول أو الجماعات، زاد دبلوماسيتها ثقة في لا جدوى انحياز «التعاون الخليجي» و«التعاون الإسلامي» و«الجامعة العربية» إلى خصمه التقليدي.

توفيق رباحي القدس