يعود الاهتمام الإيراني بالقارة الأفريقية مند الإطاحة بحكم الشاه وإعتلاء الامام الخميني اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ، عندما شرعت في إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الأفريقية. في إطار النسق العام للوضع الدولي والإقليمي وفق نسق من السياسات الاقتصادية والإيديولوجية والتخطيط الإستراتيجي، وضعه قادة النظام ، ابتداءً من هاشمي رافسنجاني، وتمكنت إيران بالفعل من تحقيق اختراق كبير للقارة الأفريقية.

خارطة  "النفوذ الإيراني الناعم في أفريقيا".

يمكن تقسيم خارطة النفوذ الإيراني في أفريقيا من الناحية الجغرافية، إلى علاقات مع منطقة "الحزام الإسلامي غربي أفريقيا". و تمتد من موريتانيا غرباً حتى النيجر شرقاً، ومن موريتانيا شمالاً حتى ليبيريا جنوباً ومنها حتى نيجيريا.

استفادت إيران من خصائص هذه منطقة  لتدعيم علاقاتها مع دوله، على أساس أنها تمثل كتلة إسلامية في القارة الأفريقية، لأن الدين الإسلامي هو الدين الرسمي لغالبية السكان. وقد شكلت هذه التركيبة السكانية بيئة خصبة لنشر التشيع.

المنطقة الجغرافية الأفريقية الثانية للنفوذ الإيراني هي منطقة "حوض النيل وشرق أفريقيا"، وعن طريق هذه المنطقة، تمكنت إيران باستخدام مصطلح "الجهاد البحري" من نقل المعركة من مضيق هرمز والخليج العربي، إلى منطقة القرن الأفريقي وخليج عدن وباب المندب بين إريتريا واليمن، والذي يعتبر أضيق ممر في خليج عدن، من خلال إنشاء قاعدة عسكرية في ميناء عصب الإريتري.

الجهاد البحري هو إستراتيجية إيرانية، تعني انتهاج سياسات تمكن الدولة من السيطرة أو التواجد القوي بالقرب من  الممرات الملاحية، تحسباً لأي مواجهة عسكرية تهدد مصالحها. بالإضافة إلى فتح ممرات بحرية وبرية، تسهل الوصول إلى مناطق الأزمات في الشرق الأوسط، عبر تأمين وجود إيراني قريب من هذه المناطق وتوفير أوراق للمساومة في الشرق الأوسط. وتمثل هذا الأمر في الاهتمام الإيراني بالسودان، من أجل الوجود القوي في البحر الأحمر، كما عززت علاقاتها أيضاً مع إريتريا وجيبوتي واليمن.


المنطقة الجغرافية الثالثة وهي منطقة شمال أفريقيا، وتعتبر الجزائر نقطة ارتكاز للحضور الإيراني في دول المغرب العربي .

أدوات التغلغل الإيراني في أفريقيا

انتهجت إيران مجموعة من السياسات الرخوة، التي ساعدت على التوغل في أفريقيا، من بينها تقديم مساعدات تنموية في مجالات التكنولوجيا، ومجالات الطاقة والتنقيب عن البترول والاستكشافات البترولية ، والصناعات البتروكيماوية والغاز، وتنمية القطاعات الزراعية والصحية وإنشاء السدود، بالإضافة إلى تصدير النفط لبلدان القارة الأفريقية بأسعار رخيصة مقارنة بالسوق العالمي.

وأسهمت تلك السياسات في نمو التبادل التجاري بين إيران والدول الأفريقية، وصل التبادل التجاري إلى 2 مليار دولار.  

الأداة الدينية والمذهبية  الأداة الثانية التي استخدمتها إيران للتوغل في أفريقيا هي الأداة الدينية المتمثلة في نشر التشيع  وتكشفت البيانات المجدولة التي نشرها موقع World Shia Muslims Population حجم انتشار المذهب الشيعي في بلدان القارة الأفريقية بلغ نحو 7 ملايين.  

وأصبح "النفوذ الإيراني الناعم في أفريقيا" يجني من خلاله حزب الله اللبناني نحو 500 مليون دولار سنوياً، وهو دعم يأتيه من الشيعة اللبنانيين الذين هاجروا واستقروا في أفريقيا و يتاجرون في بضائع متنوعة فهناك تجار الأثاث والأدوات الصحية والأجهزة المنزلية والمفروشات وقطع غيار السيارات والأجهزة الكهربائية الى المخدرات الصلبة و الأسلحة.

وفي سبيل نشر التشيع داخل الدول الأفريقية، عمدت إيران إلى إنشاء استقطاب القيادات الإسلامية المؤثرة في الدول الأفريقية، مثلما حدث مع الشيخ الزكزاكي في نيجيريا، وبناء مؤسسات تعليمية ودعوية ومطبوعات صحافية، مهمتها نشر المذهب الشيعي مثل المركز الاجتماعي الإسلامي، ونادي الرسول، وجمعية الهدى الخيرية، والمستوصف الإسلامي في السنغال، والمركز الثقافي الإيراني في مالي، ومجمع شباب أهل البيت في كينيا، والعديد من المؤسسات الشيعية في الجزائر و المغرب و موريتانيا الغير معلنة.

الأداة العسكرية هي الأداة الثالثة التي تستخدمها إيران في التوغل داخل أفريقيا هي الأداة العسكرية، المتمثلة في الإمداد بالسلاح والتدريب وغير ذلك، و الأداة العسكرية يأتي في مقدمها صادرات السلاح والذخيرة وقطع الغيار، وتقديم خدمات التدريب العسكري. ويغلب الطابع السري على استخدام هذه الأدوات، بسبب ما تثيره من حساسيات، خصوصاً بالنسبة لدول الخليج العربي. وتعتبر السودان ومالي وجبهة البوليساريو من أهم الدول و المنظمات التي استفادت من هذا الجانب.

ومن جوانب التعاون العسكري بين البوليساريو وإيران تأمين ممر آمن الى المحيط الأطلسي عبر منطقة كركرات بتواطئ موريتاني كممر لتهريب السلاح و المخدرات ونافدة تطل على البحر قد تستعمل كطريق للإمداد لأغراض أخرى لا تعلمها إلآ القيادة الإيرانية ومصنع شيد بتعاون مع الجزائر في تندوف في المنطقة الثالثة تحت قيادة اللواء شنقريحة معداً ليكون خط إنتاج احتياطي إستراتيجي إيراني من الصواريخ، في حال دخولها أي مواجهة عسكرية، في مقابل حصول الجيش الجزائري وجبهة البوليساريو على صواريخ من طراز شهاب .


ويشير تقرير ميداني نشره "مركز بحوث تسليح الصراعات" تحت عنوان Distribiution of Iranian Ammunition in Africa إلى وجود نحو 14 حالة، تم العثور فيها على أسلحة إيرانية في مناطق نزاعات داخل القارة السمراء، من بينها 4 حالات فقط مع الحكومات، بينما العشر الباقية كانت مع جماعات مسلحة غير نظامية مثل حركة كاسامانس الانفصالية في السنغال، والمتمردين في ساحل العاج، وزامبيا، وحركة ابراهيم الزكزاكي في نيجيريا.

وذلك عن طريق شبكة تهريب أسلحة إيرانية تدعى الوحدة 190 تضم نحو 24 شخصاً، تقوم بتهريب الأسلحة إلى أفريقيا ويقود هذه الوحدة بهنام شهرياري.

المكاسب الإيرانية من التوغل في أفريقيا

حققت إيران العديد من المكاسب السياسية والاستراتيجية بسبب "التأثير التعاضدي للخطاب السياسي الإيراني والتوظيف المتكامل لأدوات السياسة الخارجية"  وأبرز هذه المكاسب، مساعدة إيران على الخروج من العزلة الدولية والإقليمية. 

حفيظ بوقرة خاص بالجزائر تايمز