الفاشلون من الذين يهربون الى الامام دائما، هم من يكون بحاجة ماسة الى شماعة كي يعلقوا عليها أسباب فشلهم وخيبتهم وهم يعتقدون من أنهم من خلال ذلك سيحلون مشاكلهم، تماما كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال كي لا يراها العدو. وهذا تماما ما جرى ويجري في إيران في ظل نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية الذي وصلت معظم الامور في عهده الى طرق مسدودة وتغرق إيران في كم هائل من المشاكل والازمات الطاحنة.

يعاني الشعب الإيراني من الاوضاع الصعبة والمعقدة من مختلف الجوانب، بحيث لا يوجد مجال يمكن له أن يتنفس الصعداء فيه. هكذا أوضاع وبشكل الخاص الحياة المعيشية التي وصلت الى أسوأ ما يكون وإنعدام الحريات وتصعيد مفرط في الاجراءات القمعية التعسفية، جعلت وتجعل الشعب الايراني يغلي ليس كالمرجل البخاري وانما كالبركان الذي قد يثور في أية لحظة، وكما هو معروف عن النظام فإنه لا يستسلم للأمر الواقع ويعترف بعجزه وفشله وكونه السبب الاساسي في كل ما قد وصل الشعب الايراني إليه من أوضاع وخيمة، بل إنه يبحث عن شماعات وليس شماعة واحدة فقط كي يعلق عليها مبررات فشله.

إعلان القضاء الايراني عن حجب تطبيق تلغرام للتواصل الاجتماعي وهو الأكثر استخداما في إيران لما قال إنه بات منبرا "لإهانة المقدسات" و"تحريض الناس على أعمال الشغب" في إشارة إلى الدور الذي لعبه هذا التطبيق أثناء الاحتجاجات الشعبية الأخيرة. هو أشبه ما يكون باكتشاف شماعة جديدة كي يعلق عليها النظام اسباب فشله والتبرير بالغ السخف للاحتجاجات الشعبية التي قادت للانتفاضة الاخيرة. لكن المثير للسخرية والتهكم الى أبعد حد ما جاء في الامر القضائي الذي يبرر حجب تطبيق تلغرام حيث اتهم هذا التطبيق بـ"الدعاية ضد الجمهورية الإسلامية" و"العمل ضد الأمن القومي من قبل الجماعات الإرهابية"، و"إهانة القيم الإسلامية" و"التحريض على الثورة والفوضى" و"انتشار الفساد والبغاء" و"تهريب السلع والعملات والمخدرات" و"عمليات الاحتيال". ولهذا فإنه قد تم إغلاق هذا التطبيق، رغم إن كل ما قد جاء آنفا هو نتيجة لسياسات النظام قبل كل شيء، لكن الحقيقة المرة التي لا يذكرها القضاء الايراني وتتجاهلها السلطات الايرانية، هو إن هذا التطبيق كان أحد عوامل ترسيخ وتوسيع قاعدة الرفض الشعبي وتنظيمه وتوجيهه كما إنه كان أحد المنابر والقنوات المهمة التي تواصل من خلالها الشعب الايراني مع المعارضة الايرانية عموما ومنظمة مجاهدي خلق خصوصا.

الخطر والعيب لا ولم يكن في تطبيق تلغرام إطلاقا، وانما في النظام نفسه الذي يرفض الاعتراف بفشل عمره أربعة عقود متواصلة، ولا يزال يصر على مواصلة الحكم والتهرب من إعلان فشله وعجزه!

 

منى سالم الجبوري